للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأجعلن نفسي وقاية نفسك، وأسوقها في كل ما نكأها أو جرحها.

فقال له عبد الله خيراً، وأثنى عليه، وأخبره بعذره في موجدة أمير المؤمنين عليه. فوعده محمد أن يكلم أمير المؤمنين، ويخبره باعتذاره. فلما أصبح محمد، وافاه رسول أمير المؤمنين، فركب. فلما دخل عليه، قال: من أتيت في هذه الليلة؟ قال: عبدك، يا أمير المؤمنين، عبد الله بن مالك، وهو يحلف بطلاق نسائه، وعتق مماليكه، وصدقة ماله مع عشرين نذراً يهديها إلى بيت الله الحرام حافياً راجلاً، والبراءة من ولاية أمير المؤمنين إن كان ما بلغ أمير المؤمنين سمعه الله من عبد الله بن مالك، أو اطلع عليه أو هم به، أو أضمره أو أظهره.

قال: فأطرق الرشيد ملياً مفكراً؛ وجعل محمد يلحظه، ووجهه يسفر ويشرق حتى زال ما وجده. وكان قد حال لونه حين دخل عليه؛ ثم رفع رأسه فقال: أحسبه صادقاً، يا محمد؛ فمره بالرواح إلى الباب. قال: وأكون معه، يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم.

فانصرف محمد إلى عبد الله، فبشره بجميل أمره، وأمره بالركوب رواحاً، فدخلا جميعاً؛ فلما بصر عبد الله بالرشيد، انحرف نحو القبلة، فخر ساجداً، ثم رفع رأسه، فاستدناه الرشيد، فدنا وعيناه تهملان. فأكب عليه، فقبل رجله وبساطه وموطيء قدميه، ثم طلب أن يأذن له في الاعتذار. فقال: ما بك حاجة إلى أن تعتذر، إذ عرفت عذرك. قال: فكان عبد الله، بعد، إذا دخل على الرشيد، رأى فيه بعض الإعراض والانقباض. فشكا ذلك إلى محمد بن إبراهيم، فقال محمد: يا أمير المؤمنين! إن عبد الله يشكو أثراً باقياً من تلك النبوة التي كانت من أمير المؤمنين، ويسأل الزيادة

<<  <   >  >>