خَرَجَ إِلَى المُعْتَصِمِ وَكَانَ شُجَاعاً عَاقِلاً فَتَعَجَّبُوا مِنْ حُسْنِهِ، وَعَقْلهِ فَقَالَ لَهُ المُعْتَصِمُ: هَلْ فِي أَهْلِ بَيْتِكَ أَشْجَعُ مِنْكَ? قَالَ: لاَ قَالَ: فَهَلْ فِيْهِم أَعْلَمُ وَأَعقَلُ مِنْكَ? قَالَ: لاَ فَلَمْ يُعْجِبِ المُعْتَصِمَ ثُمَّ سَأَلَهُ: لِمَ قُلْتَ? قَالَ: لأَنَّهُ لَيْسَ فِي أَهْلِ بَيْتِي مَنْ وَطِئَ بِسَاطَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ وَرَآهُ غَيْرِي. فَاسْتَحسَنَ ذَلِكَ، وَوَلاَّهُ بَلْخَ فَكَانَ يَتَوَلَّى الخُطبَةَ بِنَفْسِهِ. ثُمَّ سَأَلَ عَنْ عُلَمَاءِ بَلْخَ فَذَكَرُوا لَهُ خَلَفَ بنَ أَيُّوْبَ فَتَحَيَّنَ مَجِيْئَه لِلْجُمُعَةِ، وَرَكِبَ إِلَى نَاحِيَتِهِ فَلَمَّا رَآهُ تَرَجَّلَ، وَقَصَدَهُ فَقَعَدَ خَلَفٌ وَخَمَّرَ وَجْهَه فَقَالَ لَهُ: السَّلاَمُ عَلَيْكُم فَأَجَابَه، وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهِ فَرَفَعَ الأَمِيْرُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا العَبْدَ الصَّالِحَ يُبْغِضُنَا فِيْكَ وَنَحْنُ نُحِبُّه فِيْكَ ثُمَّ رَكِبَ قَالَ: وَمَرِضَ خَلَفٌ فَعَادَهُ الأَمِيْرُ أسد، وَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ? قَالَ: نَعَمْ أَنْ لاَ تَعُوْدَ إِلَيَّ، وَإِنْ مُتُّ فَلاَ تُصَلِّ عَلَيَّ وَعَلَيْكَ السَّوَادُ فَلَمَّا تُوُفِّيَ شَيَّعَهُ وَنَزَعَ سَوَادَهُ فَقِيْلَ: إِنَّهُ سَمِعَ صَوْتاً: بِتَوَاضُعِكَ وَإِجْلاَلِكَ خَلَفاً بُنِيَتِ الدَّوْلَةُ فِي عَقِبِكَ.
هَذِهِ حِكَايَةٌ غَرِيْبَةٌ فَإِنْ صَحَّتْ فَلَعَلَّ وِفَادَةَ أَسَدٍ عَلَى المَأْمُوْنِ حَتَّى يَسْتَقِيْمَ ذَلِكَ فَإِنَّ خَلَفاً مَاتَ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَتَيْنِ وَقِيْلَ: عَاشَ تِسْعاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute