للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٣٣١ - البَرْمَكي (١):

الوزير الملك أبو الفضل جعفر، ابن الوزير الكبير أبي علي يحيى ابن الوزير خالد بن برمك الفارسي.

كان خالد من رجال العالم، توصل إلى أعلى المراتب في دولة أبي جعفر، ثم كان ابنه يحيى كامل السؤدد، جليل المقدار، بحيث إن المهدي ضم إليه ولده الرشيد، فأحسن تربيته، وأدبه، فلما أفضت الخلافة إلى الرشيد، رد إلى يحيى مقاليد الأمور، ورفع محله، وكان يخاطبه: يا أبي، فكان من أعظم الوزراء، ونشأ له أولاد صاروا ملوكًا، ولا سيما جعفر، وما أدراك ما جعفر? له نبأ عجيب، وشأن غريب، بقي في الارتقاء في رتبة، شرك الخليفة في أمواله، ولذاته، وتصرفه في الممالك، ثم انقلب الدست في يوم، فقتل، وسجن أبوه وأخوته إلى الممات، فما أجهل من يغتر بالدنيا!

وقال الأصمعي: سمعت يحيى بن خالد يقول: الدنيا دول، والمال عارية، ولنا بمن قبلنا أسوة، وفينا لمن بعدنا عبرة.

قال إسحاق الموصلي: كانت صلة يحيى إذا ركب لمن سأله مائتي درهم، أتيته وقد شكوت إليه ضيقًا، فقال: ما أصنع بك؟ ما عندي شيء، ولكني قد جاءني خليفة صاحب مصر، يسأل أن أستهدي صاحبه شيئًا، فأبيت، فألح وبلغني أن لك جارية بثلاثة آلاف دينار، فهو ذا أستهديه إياها، فلا تنقصها من ثلاثين ألف دينار شيئًا. قال: فما شعرت إلا والرجل قد أتى، فساومني بالجارية، فبذل عشرين ألفًا، فلنت، فبعتها، فلما أتيت يحيى، عنفني، ثم قال: وهذا خليفة صاحب فارس، قد جاءني في نحو هذا، فخذ جاريتك مني، فإذا ساومك، لا تنقصها من خمسين ألف دينار. قال: فأتاني، فبعتها بثلاثين ألفًا فلما، صرت إلى يحيى، قال: ألم نؤدبك? خذ جاريتك. قلت: قد أفدت بها خمسين ألف دينار، ثم تعود إلي، هي حرة، وإني قد تزوجتها.

قيل: إن ولدًا ليحيى، قال له وهم في القيود: يا أبة، بعد الأمر والنهي والأموال صرنا إلى هذا?! قال: يا بني! دعوة مظلوم غفلنا عنها، لم يغفل الله عنها.

مات يحيى مسجونًا، بالرقة، سنة تسعين ومائة، عن سبعين سنة.

فأما جعفر، فكان من ملاح زمانه، كان وسيمًا، أبيض، جميلا، فصيحًا، مفوهًا، أديبًا، عذب العبارة، حاتمي السخاء، وكان لعابًا، غارقًا في لذات دنياه، ولي نيابة دمشق، فقدمها في سنة ثمانين ومائة، فكان يستخلف عليها، ويلازم هارون، وكان يقول: إذا أقبلت الدنيا عليك، فأعط، فإنها لا تفنى، وإذا أدبرت، فأعط، فإنها لا تبقى.

قال ابن جرير: هاجت العصبية بالشام، وتفاقم الأمر، فاغتم الرشيد، فعقد لجعفر، وقال: إما أن تخرج أو أخرج. فسار، فقتل فيهم، وهذبهم، ولم يدع لهم رمحًا، ولا قوسًا، فهجم الأمر، واستخلف على دمشق عيسى بن المعلى، ورد.


(١) ترجمته في تاريخ بغداد "٧/ ١٥٢"، ووفيات الأعيان "١/ ٣٢٨ و ٣٤٦"، والعبر "١/ ٢٩٨"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "٢/ ١٢٣"، وشذرات الذهب "١/ ٣١١".

<<  <  ج: ص:  >  >>