سنَة ٣٨١، وَسَبَبُه أَن شَيْخَ الشِّيْعَة ابْنَ المُعَلِّم كَانَ مِنْ خوَاصّ بهَاءِ الدَّوْلَة فَحُبِسَ، فَجَاءَ بهَاءُ الدَّوْلَةِ، وَقَدْ جَلَس الطَّائِع فِي الرِّوَاق متقلِّدَ السَّيْف، فَقبَّل الأَرْضَ، وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيٍّ، فَتَقَدَّم جَمَاعَةٌ مِنْ أَعوَانه، فجذَبُوا الطَّائِعَ بحمَائِل سيْفِهِ، وَلفُّوهُ فِي كِسَاءٍ، وَأُصْعِدَ فِي سَفِينَته إِلَى دَار المملكَةِ، وَمَاجَ النَّاسُ وَظنَّ الجُنْدُ أَنَّ القَبْضَ عَلَى بهَاءِ الدَّوْلَةِ، فَوَقَعَ النَّهْبُ، وَقُبض عَلَى الرَّئيس عَلِيِّ بنِ حَاجِب النُّعْمِيّ وَجَمَاعَةٍ، وصُودرُوا وَاحتيط عَلَى الخَزَائِنِ وَالخَدَمِ أَيْضاً.
فَكَانَ الطَّائِع هَمَّ بِالقَبْضِ عَلَى ابْنِ عَمِّه القَادِرِ بِاللهِ وَهُوَ أَمِيْرٌ، فَهَرَبَ إِلَى البطَائِح، وَانضمَّ إِلَى مهذِّبِ الدَّوْلَةِ، وَبَقِيَ مَعَهُ عَامِين، فأظهر بهَاءُ الدَّوْلَةِ أَمْرَ القَادِرِ وَأَنَّهُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ. وَنُوديَ بِذَلِكَ، وَأُشهد عَلَى الطَّائِعِ بِخَلْعِ نَفْسِهِ، وَأَنَّهُ سَلَّمَ الخِلاَفَة إِلَى القَادِرِ بِاللهِ، وَشَهِدَ الكُبَرَاءُ بِذَلِكَ، ثُمَّ طُلبَ القَادِرُ، وَاسْتحثُّوهُ عَلَى القدومِ، وَاسْتبُيحتْ دَارُ الخِلاَفَة حَتَّى نُقِضَ خشبُهَا.
وَكَتَبَ القَادِرُ: مِنْ عَبْدِ اللهِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ القَادِرِ بِاللهِ إِلَى بَهَاءِ الدَّوْلَةِ، وضيَاءِ المِلَّةِ أَبِي نَصْر بنِ عضُدِ الدَّوْلَةِ. سلاَمٌ عَلَيْك. أَمَّا بَعْدُ: أَطَالَ اللهُ بقَاءَك وَأَدَام عِزَّك، وَرَد كِتَابُك بِخَلْعِ العَاصي المتلقِّب بِالطَّائِع لبوَائِقهِ وَسُوءِ نيَّتِهِ. فَقَدْ أَصبحت سَيْفَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ المُبِير.
ثُمَّ فِي السَّنَة الآتيَةِ سُلِّمَ الطَّائِعُ المخلوعُ إِلَى القَادِرِ فَأَنزله فِي حُجْرَةٍ موكّلاً بِهِ، وَأَحسنَ صيَانَتَه، وَكَانَ المخلوعُ يُطلب مِنْهُ أُمُوراً ضخمَةً، وَقدِّمت بَيْنَ يَدَيْهِ شَمْعَة قَدِ اسْتُعملتْ فَأَنكرَ ذَلِكَ، فَأَتْوهُ بجَدِيْدَةٍ، وَبَقِيَ مُكَّرماً إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ. وَمَا اتَّفَقَ هَذَا الإِكرَامُ لخَلِيْفَةٍ مخلوعٍ مثلِهِ.
وكَانَتْ دولتُهُ ثَمَانِي عَشْرَة سَنَةً. وَبَقِيَ بَعْد عَزْله أَعْوَاماً إِلَى أَنْ مَاتَ لَيْلَةَ عيدِ الفِطْرِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ فَصَلَّى عَلَيْهِ القَادِر وَكَبَّرَ خمساً، وَرثَاهُ الشَّرِيْفُ الرَّضِيّ بقَصِيْدَةٍ. وَعَاشَ ثَلاَثاً وَسَبْعِيْنَ سنة، رحمه الله.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute