للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حياة موسى، وعلي لم يكن حجة في حياة النبي، وهارون فكان شريكًا، أفكان علي شريكًا للنبي في النبوة؟! وإنما أراد التقريب والوزارة والولاية. قال: أوليس هو أفضل؟ قلت: أليس الحق متفقًا عليه؟ قال: نعم. قلت: قد ملكت مدائن قبل مدينتنا، وهي أعظم مدينة، واستفاض عنك أنك لم تكره أحدًا على مذهبك، فاسلك بنا مسلك غيرنا ونهضنا.

قال ابن الحداد: ودخلت يومًا على أبي العباس، فأجلسني معه في مكانه وهو يقول لرجل: أليس المتعلم محتاجًا إلى المعلم أبدًا؟ فعرفت أنه يريد الطعن على الصديق في سؤاله عن فرض الجدة، فبدرت وقلت: المتعلم قد يكون أعلم من المعلم وأفقه وأفضل لقوله : "رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه … " (١). ثم معلم الصغار القرآن يكبر أحدهم ثم يصير أعلم من المعلم. قال: فاذكر من عام القرآن وخاصه شيئًا؟ قلت: قال: تعالى: ﴿وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَات﴾ [البقرة: ٢٢١]، فاحتمل المراد بها العام، فقال تعالى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُم﴾ [المائدة: ٥]، فعلمنا أن مراده بالآية الأولى خاص، أراد: ولا تنكحوا المشركات غير الكتابيات من قبلكم حتى يؤمن. قال: ومن هن المحصنات؟ قلت: العفائف. قال: بل المتزوجات. قلت: الإحصان في اللغة: الإحراز، فمن أحرز شيئًا فقد أحصنه، والعتق يحصن المملوك لأنه يحرزه عن أن يجري عليه ما على المماليك، والتزويج يحصن الفرج لأنه أحرزه عن أن يكون مباحًا، والعفاف إحصان للفرج. قال: ما عندي الإحصان إلَّا التزويج. قلت له: منزل القرآن يأبى ذلك، قال: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ [التحريم: ١٢]، أي: أعفته، وقال ﴿مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَات﴾ [النساء: ٢٥]، عفائف. قال: فقد قال في الإماء: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ﴾ [النساء: ٢٥]، وهن عندك قد يكن عفائف. قلت: سماهن بمتقدم إحصانهن قبل زناهن، قال تعالى: ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُم﴾ [النساء: ١٢]، وقد انقطعت العصمة بالموت، يريد اللاتي كن


(١) صحيح: أخرجه الشافعي "١/ ١٤"، والترمذي "٢٦٥٨"، من حديث ابن مسعود مرفوعا "نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه".
وهو حديث متواتر. وورد عن زيد بن ثابت: عند أحمد "٥/ ١٨٣"، وأبي داود "٣٦٦٠"، والترمذي "٢٦٥٦"، وابن ماجه "٢٣٠"، والدارمي "١/ ٧٥".
وورد عن جبير بن مطعم: عند أحمد "٤/ ٨٠"، وابن ماجه "٢٣١"، والدارمي "١/ ٧٤ و ٧٥".
وورد عن أبي الدرداء: عند الدارمي "١/ ٧٥ - ٧٦".
وورد عن أنس بن مالك: عند أحمد "٣/ ٢٢٥"، وابن ماجه "٢٣٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>