للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا قول من زعم أن كلام الله مخلوق، ويتوهم أنه لا يجوز أن يقول: خلق الله شيئًا واحدًا مرتين.

قال الحاكم: سمعت أبا بكر أحمد بن إسحاق يقول: لما وقع من أمرنا ما وقع، وجد أبو عبد الرحمن ومنصور الطوسي الفرصة في تقرير مذهبهم، واغتنم أبو القاسم وأبو بكر بن علي والبردعي السعي في فساد الحال، انتصب أبو عمرو الحيري للتوسط فيما بين الجماعة، وقرر لأبي بكر بن خزيمة اعترافنا له بالتقدم، وبين له غرض المخالفين في فساد الحال، إلى أن وافقه على أن نجتمع عنده، فدخلت أنا، وأبو علي، وأبو بكر بن أبي عثمان، فقال له أبو علي الثقفي: ما الذي أنكرت أيها الأستاذ من مذاهبنا حتى نرجع عنه؟ قال: ميلكم إلى مذهب الكلابية، فقد كان أحمد بن حنبل من أشد الناس على عبد الله بن سعيد بن كلاب، وعلى أصحابه مثل الحارث وغيره … ، حتى طال الخطاب بينه وبين أبي علي في هذا الباب. فقلت: قد جمعت أنا أصول مذاهبنا في طبق، فأخرجت إليه الطبق، فأخذه، وما زال يتأمله وينظر فيه، ثم قال: لست أرى هاهنا شيئًا لا أقول به. فسألته أن يكتب عليه خطه أن ذلك مذهبه، فكتب آخر تلك الأحرف. فقلت لأبي عمرو الحيري: احتفظ أنت بهذا الخط حتى ينقطع الكلام، ولا يتهم واحد منا بالزيادة فيه. ثم تفرقنا، فما كان بأسرع من أن قصده أبو فلان وفلان، وقالا: إن الأستاذ لم يتأمل ما كتب في ذلك الخط، وقد غدروا بك، وغيروا صورة الحال. فقبل منهم، فبعث إلى أبي عمرو الحيري لاسترجاع خطه منه، فامتنع عليه أبو عمرو، ولم يرده حتى مات ابن خزيمة، وقد أوصيت أن يدفن معي، فأحاجه بين يدي الله -تعالى- فيه، وهو القرآن؛ كلام الله -تعالى- وصفة من صفات ذاته، ليس شيء من كلامه مخلوق، ولا مفعول، ولا محدث، فمن زعم أن شيئًا منه مخلوق أو محدث، أو زعم أن الكلام من صفة الفعل، فهو جهمي ضال مبتدع، وأقول: لم يزل الله متكلمًا، والكلام له صفة ذات، ومن زعم أن الله لم يتكلم إلَّا مرة، ولم يتكلم إلَّا ما يتكلم به، ثم انقضى كلامه، كفر بالله، وأنه ينزل تعالى إلى سماء الدنيا، فيقول: "هل من داع فأجيبه". فمن زعم أن علمه تنزل أوامره، ضل، ويكلم عباده بلا كيف ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥]، لا كما قالت الجهمية: إنه على الملك احتوى، ولا استولى. وإن الله يخاطب عباده عودًا وبدءًا، ويعيد عليهم قصصه وأمره ونهيه، ومن زعم غير ذلك، فهو ضال مبتدع. وساق سائر الاعتقاد.

قلت: كان أبو بكر الصبغي هذا عالم وقته، وكبير الشافعية بنيسابور، حمل عنه الحاكم علمًا كثيرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>