للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال أبو علي التنوخي: كان جيد العقل، صحيح الرأي، ولكنه كان مؤثرًا للشهوات، لقد سمعت علي بن عيسى الوزير يقول: ما هو إلَّا أن يترك هذا الرجل -يعني المقتدر- النبيذ خمسة أيام، فكان ربما يكون في أصالة الرأي كالمأمون والمعتضد.

قلت: كان منهومًا باللعب، والجواري، لا يلتفت إلى أعباء الأمور، فدخل عليه الداخل، ووهن دسته، وفارقه مؤنس الخادم مغاضبًا إلى الموصل، وتملكها، وهزم عسكرها في صفر سنة عشرين. ووصلت القرامطة إلى الكوفة، فهرب أهلها. ودخلت الديلم، فاستباحوا الدينور، ووصل أهلها، فرفعوا المصاحف على القصب، وضجوا يوم الأضحي من سنة تسع عشرة، وأقبلت جيوش الروم وبدعوا وأسروا. ثم تجهز نسيم الخادم في عشرة آلاف فارس، وعشرة آلاف راجل، حتى بلغوا عمورية، فقتلوا وسبوا، وتم ببغداد الوباء الكبير، والقحط حتى سود الشرفاء وجوههم، وصاحوا: الجوع الجوع. وقطع الجلب عنهم مؤنس والقرامطة. ولم يحج أحد، وتسلل الجيش إلى مؤنس، فتهيأ لقصد المقتدر، فبرز المقتدر، وتخاذل جنده. فركب، وبيده القضيب، وعليه البرد النبوي، والمصاحف حوله، والقراء. وخلفه الوزير الفضل بن الفرات، فالتحم القتال. وصار المقتدر في الوسط، فانكشف جمعه، فيرميه بربري بحربة من خلفه. فسقط وحز رأسه، ورفع على قناة، ثم سلب ثم طمر في موضعه، وعفي أثره كأن لم يكن، لثلاث بقين من شوال سنة عشرين وثلاث مائة.

وكان سمحًا متلافًا للأموال، محق ما لا يعد ولا يحصى. ومات صافي، وتفرد مؤنس بأعباء الأمور.

قال: محمد بن يوسف القاضي: لما تم أمر المقتدر استصباه الوزير العباس، وخاض الناس في صغره، فعمل الوزير على خلعه، وإقامة أخيه محمد. ثم إن محمدًا، وصاحب الشرطة، تنازعا في مجلس الوزير، فاشتط صاحب الشرطة فاغتاظ محمد كثيرًا، ففلج لوقته، ومات بعد أيام. ثم اتفق جماعة على تولية ابن المعتز، فأجابهم بشرط أن لا يسفك دم. وكان رأسهم محمد بن داود بن الجراح، وأبو المثنى أحمد بن يعقوب القاضي والحسين بن حمدان، واتفقوا على الفتك بالمقتدر، ووزيره، وفاتك. ففي العشرين من ربيع الأول سنة ست، ركب الملأ، فشد الحسين على الوزير فقتله. فأنكر فاتك، فعطف عليه الحسين فقتله، وساق إلى المقتدر، وهو يلعب بالصوالجة، فسمع الضجة فدخل الدار، فرد ابن حمدان إلى المخرم، فنزل بدار سليمان بن وهب، وأتى ابن المعتز، وحضر الأمراء والقضاة سوى حاشية المقتدر، وابن الفرات، وبايعوا عبد الله بن المعتز، ولقبوه الغالب بالله. فوزر ابن الجراح، ونفذت الكتب،

<<  <  ج: ص:  >  >>