للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال الإمام أبو القاسم صاعد بن أحمد: كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبةً لعلوم الإسلام وأوسعهم معرفة مع توسعه في علم اللسان ووفور حظه من البلاغة والشعر والمعرفة بالسير والأخبار؛ أخبرني ابنه الفضل أنه اجتمع عنده بخط أبيه أبي محمد من تواليفه أربع مائة مجلد تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة.

قال أبو عبد الله الحميدي: كان ابن حزم حافظًا للحديث وفقهه مستنبطًا للأحكام من الكتاب والسنة متفننًا في علوم جمة عاملًا بعلمه ما رأينا مثله فيما اجتمع له من الذكاء وسرعة الحفظ وكرم النفس والتدين وكان له في الأدب والشعر نفس واسع وباع طويل وما رأيت من يقول الشعر على البديه أسرع منه وشعره كثير جمعته على حروف المعجم.

وقال أبو القاسم صاعد: كان أبوه أبو عمر من وزراء المنصور محمد بن أبي عامر مدبر دولة المؤيد بالله بن المستنصر المرواني ثم وزر للمظفر ووزر أبو محمد للمستظهر عبد الرحمن بن هشام ثم نبذ هذه الطريقة وأقبل على العلوم الشرعية وعني بعلم المنطق وبرع فيه ثم أعرض عنه. قلت: ما أعرض عنه حتى زرع في باطنه أمورًا وانحرافًا عن، السنة قال: وأقبل على علوم الإسلام حتى نال من ذلك ما لم ينله أحد بالأندلس قبله.

وقد حط أبو بكر بن العربي على أبي محمد في كتاب "القواصم والعواصم" وعلى الظاهرية فقال: هي أمة سخيفة تسورت على مرتبة ليست لها وتكلمت بكلام لم نفهمه تلقوه من إخوانهم الخوارج حين حكم علي Object يوم صفين فقالت: لا حكم إلَّا لله. وكان أول بدعة لقيت في رحلتي القول بالباطن فلما عدت وجدت القول بالظاهر قد ملأ به المغرب سخيف كان من بادية إشبيلية يعرف بابن حزم نشأ وتعلق بمذهب الشافعي ثم انتسب إلى داود ثم خلع الكل واستقل بنفسه وزعم أنه إمام الأمة يضع ويرفع ويحكم ويشرع ينسب إلى دين الله ما ليس فيه ويقول عن، العلماء ما لم يقولوا تنفيرًا للقلوب منهم وخرج عن، طريق المشبهة في ذات الله وصفاته فجاء فيه بطوام واتفق كونه بين قوم لا بصر لهم إلَّا بالمسائل فإذا طالبهم بالدليل كاعوا (١)، فيتضاحك مع أصحابه منهم، وعضدته الرئاسة بما كان عنده من أدب، وبشبه كان يوردها على الملوك، فكانوا يحملونه، ويحمونه، بما كان يلقي إليهم من شبه البدع والشرك، وفي حين عودي من الرحلة ألفيت حضرتي منهم طافحة ونار ضلالهم لافحة فقاسيتهم مع غير أقران وفي عدم أنصار إلى حساد يطؤون عقبي تارة تذهب لهم نفسي، وأخرى ينكشر لهم ضرسي، وأنا ما بين إعراض عنهم أو


(١) كاعوا: أي جبنوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>