للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَاعتكُم، وَإِنْ لاَ تَفْعَلُوا شَمَلكُم الذُّلّ، وَاحتقرتكُم العَامَّة، وَعليكُم بِمَزجِ الرَّأْفَة بِالغلظَة، وَاللينِ بِالعُنفِ، وقد اخرنا لَكُم رَجُلاً مِنْكُم، وَجَعَلْنَاهُ أَمِيْراً بَعْدَ أَنْ بلونَاهُ، فَرَأَينَاهُ ثَبْتاً فِي دِيْنِهِ، مُتَبَصِّراً فِي أَمره، وَهُوَ هَذَا -وَأَشَارَ إِلَى عَبْدِ المُؤْمِنِ- فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطيعُوا مَا أَطَاع رَبّهُ، فَإِنْ بدل فَفِي المُوَحِّدِيْن بركَة وَخير، وَالأَمْر أَمر الله يُقلده مَنْ يَشَاء. فَبَايَع القَوْمُ عَبْد المُؤْمِنِ، وَدَعَا لَهُم ابْن تُوْمَرْت.

وَقَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: مَا اسْتَخلَفَه بَلْ أَشَارَ بِهِ. قَالَ: فأول ما أخذ من البِلاَد وَهرَانَ، ثُمَّ تِلِمْسَان، ثُمَّ فَاس، ثُمَّ سَلاَ، ثُمَّ سَبتَة، ثُمَّ حَاصر مَرَّاكُش أَحَدَ عشرَ شَهْراً، فَأَخَذَهَا فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَامتدّ ملكه، وَافتَتَح كَثِيْراً مِنَ الأَنْدَلُس، وَقصدته الشُّعَرَاء، وَلَمَّا قَالَ فِيْهِ التِّيْفَاشِيّ قَصيدَتَه:

مَا هَزَّ عِطْفَيْهِ بَيْنَ البِيضِ وَالأَسَلِ ... مِثْلُ الخَلِيْفَةِ عَبْدِ المُؤْمِنِ بنِ عَلِي

أَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ يَقتصر عَلَى هَذَا الْمطلع، وَأَمَرَ لَهُ بِأَلف دِيْنَار، وَانقطعت الدعوَة العَبَّاسِيَّة بِمَوْت أَمِيْر المُسْلِمِيْنَ عَلِيّ بن تَاشفِيْن وَوَلَده تَاشفِيْن، وَكَانَتْ دَوْلَة تَاشفِيْن ثَلاَث سِنِيْنَ.

قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ فِي "المِرْآةِ": اسْتولَى عَبْد المُؤْمِنِ عَلَى مَرَّاكُش، فَقتل المُقَاتلَة، وَكفّ عَنِ الرَّعِيَّةِ، وَأَحْضَرَ اليَهُوْدَ وَالنَّصَارَى، وَقَالَ: إِنَّ المَهْدِيّ أَمرنِي أَنْ لاَ أُقرَّ النَّاس إلَّا عَلَى مِلَّة الإِسْلاَم، وَأَنَا مُخيِّرُكُم بَيْنَ ثَلاَث، إِمَّا أَنْ تُسلمُوا، وَإِمَّا أَنْ تلحقُوا بِدَارِ الحَرْب، وَإِمَّا القتلُ. فَأَسْلَمَ طَائِفَة وَلحقت أُخْرَى بِدَارِ الحَرْب، وَخَرَّب كَنَائِسهُم، وَعملهَا مَسَاجِد، وَأَلغَى الجِزْيَة، فَعل ذَلِكَ فِي جَمِيْع مَدَائِنِهِ، وَأَنفق بيُوت الأَمْوَال، وَصَلَّى فِيْهَا اقتدَاء بعلِيٍّ، وَلِيُرِي النَّاس أَنَّهُ لاَ يَكنِزُ المَال، وَأَقَامَ كَثِيْراً مِنْ معَالِم الإِسْلاَم مَعَ سيَاسَة كَامِلَة، وَنَادَى: مَنْ تَركَ الصَّلاَة ثَلاَثاً فَاقتلُوْهُ، وَأَزَال المُنْكَر، وَكَانَ يؤم بِالنَّاسِ، ويتلو في اليوم سبعًا، ويلبس الصُّوف الفَاخر، وَيَصُوْمُ الاثْنَيْنَ وَالخَمِيْسَ، وَيَقسم الفَيْء بِالشرع، فَأَحَبّوهُ.

قَالَ عزِيز فِي كِتَابِ "الْجمع": كَانَ عَبْدُ المُؤْمِنِ يَأْخذ الحَقّ إِذَا وَجب عَلَى وَلَدِهِ، وَلَمْ يَدع مشركاً فِي بِلاَده لاَ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِياً، فَجَمِيْع رَعيته مُسْلِمُوْنَ.

وَقَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ عَلِيٍّ: وَزر لَهُ أَوَّلاً عُمَر أَرتَاج، ثُمَّ رَفعه عَنِ الوزَارَة، وَاسْتَوْزَرَ أَبَا جَعْفَرٍ أَحْمَد بن عَطِيَّةَ الكَاتِب، فَلَمَّا أَخَذَ بِجَايَة اسْتكتب مِنْ أَهْلهَا أَبَا القَاسِمِ القَالمِي، ثُمَّ فِي سَنَةِ "٥٣" قتل ابْنَ عَطِيَّةَ، وَأَخَذَ أَمْوَاله، وَاسْتَوْزَرَ عَبْد السَّلاَمِ الكُوْمِيّ، ثُمَّ قَتَلَهُ سَنَة سَبْعٍ، وَاسْتَوْزَرَ ابْنه عُمَر، وَوَلَّى قَضَاءهُ ابْن جَبَل الوهرَانِي، ثُمَّ عَبْد اللهِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَالقِي، وَأَسَرَ يَحْيَى الصِّنْهَاجِيّ صَاحِب بِجَايَة، وَكَانَ هُوَ وَآبَاؤُه مِنْ بقايا نواب بني عبيد الرافضة، ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>