للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

غرز خشبًا في قصره، وعممها برؤوس كبار وملوك، وكانوا يشبهونه بالمنصور العباسي، ورام ابنه إسماعيل اغتياله، فأخذه، وضرب عنقه، وعهد إلى ابنه المعتمد.

قيل: سمه طاغية الفرنج في ثوبٍ فاخر، أهداه له.

ومن جبروته وعتوه أنه أخذ مالًا لأعمى، فهج وجاور بمكة، فبلغ المعتضد أنه يدعو عليه، فندب رجلًا أعطاه جملة دنانير مطليةً بسم، فسار إلى مكة، وأوصله الذهب، فقال: يظلمني بإشبيلية، ويصلني هنا?! ثم وضع منها دينارًا في فمه كعادة الأضراء، فمات من الغد.

وهرب منه مؤذن إلى طليطلة، فبقي يدعو عليه في السحر، فنفذ من جاءه برأسه.

وقد سكر ليلةً، وخرج في الليل معه غلامٌ، وسار مخمورًا، حتى وافى قرمونه، وصاحبها إسحاق البرزال، وبينهما حروب، وكان يشرب أيضًا في جماعة، فاستأذن المعتضد، ودخل، فزاد تعجبهم، فسلم وأكل، وأل من سكره، وسقط في يده، لكنه تجلد، ثم قال: أريد أن أنام، ففرشوا له، فتناوم، فقال بعضهم: هذا كبش سمين، والله لو أنفقتم ملك الأندلس عليه ما قدرتم، فقال معاذ بن أبي قرة: كلا، رجل قصدنا، ونزل بنا مستأمنًا، لا تتحدث عنا القبائل أنا قتلنا ضيفنا، ثم انتبه وقام، فقبلوا رأسه، وقال للحاجب: أين نحن? قال: بين أهلك وإخوانك. قال: هاتوا دواة، فكتب لكل منهم بخلعة ومال وأفراس وخدم، وأخذ معه غلمانهم لقبض ذلك، وركب، فمشوا في خدمته. لكن أساء كل الإساءة؛ طلبهم بعد أشهر لوليمة، فأتاه ستون منهم، فأكرمهم، وأنزلهم حماما، وطينه عليهم سوى معاذ، وقال لمعاذ: لم ترع، حضرت آجالهم، ولولاك، لقتلوني، فإن أردت أن أقاسمك ملكي، فعلت، قال: بل أقيم عندك، وإلا بأي وجه أرجع، وقد قتلت سادات بني برزال، فصيره من كبار قواده، وكان من كبار قواد المعتمد.

وحكى عبد الواحد بن علي في "تاريخه" أن المعتضد ادّعى أنه وقع إليه المؤيد بالله هشام بن الحكم المرواني، فخطب له مدة بالخلافة، وحمله على تدبير هذه الحيلة اضطراب أهل إشبيلية عليه؛ أنفوا من بقائهم بلا خليفة، وبلغه أنهم يتطلبون أمويًا، فقال: فالمؤيد عندي، وشهد له جماعة بذلك، وأنه كالحاجب له، وأمر بالدعاء له في الجمع، ودام إلى أن نعاه للناس سنة خمس وخمسين وأربع مائة، وادعى أنه عهد إليه بالخلافة.

وهذا هذيان، والمؤيد هلك سنة نيفٍ وأربع مائة، ولو كان بقي إلى هذا الوقت، لكان ابن مائة سنة وسنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>