للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال اليسع بن حزم: حدثني عنه أبو القاسم هلال أحد وجوه العرب، قال: كان بيني وبين المرابطين أمر ألجأني إلى الوفود على ابن رذمير، فرحب بي، وأمر لي براتب كبير، فحضرت معه حربًا طعن عنه حصانه، فوقفت عليه ذابًا عن حوزته، فلما انصرفنا إلى رشقة، أمر الصواغين بعمل كأس من ذهب رصعه بالدر، وكتب عليه: لا يشرب منه إلَّا من وقف على سلطانه. فحضرت يومًا، فأخرج الكأس، وملأه شرابًا، وناولني بحضرة ألف فارس، ورأيت أعناقهم قد اسودت من صدأ الدروع. قال: فناديت، وقلت: غيري أحق به، فقال: لا يشرب هذا إلَّا من عمل عملك. وكان هلال هذا من قرية هلال بن عامر، تاب بعد، وغزا معنا، فكان إذا حضر في الصف جبلًا راسيًا يمنع تهائم الجيوش أن تميد، وقلبًا في البسالة قاسيًا، يقول في مقارعة الأبطال: هل من مزيد. أبصرته ﵀ أمةً وحده، يتحاماه الفوارس، فحدثني عن ابن رذمير وإنصافه قال: كنت معه بظاهر روطة وقد وجه إليه عماد الدولة وزيره أبا محمد عبد الله بن همشك الأمير رسولًا، فطلب فارس من ابن رذمير أن يمكن من مبارزة ابن همشك، فقال: لا، هو عندنا ضيف. فسمع بذلك ابن همشك، وأمضى ابن رذمير حاجته، وصرفه، فقال: لا بد لي من مبارزة هذا، فأمر الملك ذاك الفارس بالمبارزة، وقال: هذا أشجع الروم في زمانه، فانصرف عبد الله يريد روطة، وخرج وراءه الرومي شاكًا في سلاحه، وما مع ابن همشك درع ولا بيضة، فأخذ رمحه وطارقته من غلامه، وقصد الرومي، فحمل كل منهما على الآخر حملات، ثم ضربه ابن همشك في الطارقة، فأعانه الله، فانقطع حزام الفارس، فوقع بسرجه إلى الأرض، فطعنه ابن همشك، فقتله، والملك يشاهده على بعد، فهمت الروم بالحملة على ابن همشك، فمنعهم الملك، ونزل غلام ابن همشك، فجرد الفارس، وسلبه، وأخذ فرسه، وذهب لم يلتفت إلى ناحيتنا، فما أدري مم أعجب، من إنصاف الملك، أو من ابن همشك كيف مضى ولم يعرج إلينا?!

وأقام ابن رذمير محاصرًا سرقسطة زمانًا، وأخذ كثيرًا من حصونها، فلما رأى أبو عبد الله محمد بن غلبون القائد ما حل بتلك البلاد من الروم، ثار بدورقة وقلعة أيوب وملينة، وجمع وحشد، وكافح ابن رذمير، واستولى أبو بكر بن تيفلوت على سرقسطة، وأقام بقصرها في لذاته، وأما ابن غلبون، فأحسن السيرة، وعدل وجاهد ورزق الجند، رأيته رجلًا طوالًا جدًا، واجتمعت به، أقام مثاغرًا لابن رذمير شجىً في حلقه، التقى مرةً في ألف فارس لابن رذمير، والآخر في ألف، فاشتد بينهما القتال، وطال، ثم حمل ابن غلبون على ابن رذمير، فصرعه عن حصانه، فدفع عنه أصحابه، فسلم، ثم انهزموا، ونجا اللعين في نحو المائتين فقط، وأما ابن تيفلوت، فإنه راسل ابن غلبون، وخدعه، حتى حسن له زيارة أمير

<<  <  ج: ص:  >  >>