للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صارت الوفود ترحل إلي من الأمصار. ثم أشار إلى صاحبنا عبد الباقي بن عبد الجبار الهروي أن يقدم لي حلواء، فقلت: يا سيدي، قراءتي لـ"جزء أبي الجهم" أحب إلي من أكل الحلواء. فتبسم، وقال: إذا دخل الطعام خرج الكلام. وقدم لنا صحنًا فيه حلواء الفانيذ، فأكلنا، وأخرجت الجزء، وسألته إحضار الأصل، فأحضره، وقال: لا تخف ولا تحرص، فإني قد قبرت ممن سمع علي خلقًا كثيرًا، فسل الله السلامة. فقرأت الجزء، وسررت به، ويسر الله سماع "الصحيح" وغيره مرارًا، ولم أزل في صحبته وخدمته إلى أن توفي ببغداد في ليلة الثلاثاء من ذي الحجة -قلت: وبيض لليوم وهو سادس الشهر- قال: ودفناه بالشونيزية. قال لي: تدفنني تحت أقدام مشايخنا بالشونيزية. ولما احتضر سندته إلى صدري، وكان مستهترًا بالذكر، فدخل عليه محمد بن القاسم الصوفي، وأكب عليه، وقال: يا سيدي، قال النبي : "من كان آخر كلامه لا إله إلَّا الله دخل الجنة" (١)، فرفع طرفه إليه، وتلا: ﴿يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ [يس: (٢٦) و ٢٧]، فدهش إليه هو ومن حضر من الأصحاب، ولم يزل يقرأ حتى ختم السورة، وقال: الله الله الله، وتوفي وهو جالس على السجادة.

وقال أبو الفرج بن الجوزي: حدثني محمد بن الحسين التكريتي الصوفي قال: أسندته إلي، وكان آخر كلمة قالها: ﴿يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ [يس: (٢٦) و ٢٧]، ومات.

قلت: قدم بغداد في شوال، فأقام بها سنةً وشهرًا، وكان معه أصوله، فحدث منها.

قال ابن النجار: كان الوزير أبو المظفر بن هبيرة قد استدعاه، ونفذ إليه نفقةً، ثم أنزله عنده، وأكرمه، وأحضره في مجلسه، وسمع عليه "الصحيح" في مجلس عام أذن فيه للناس، فكان الجمع يفوت الإحصاء، ثم قرأه عليه أبو محمد بن الخشاب بالنظامية، وحضر خلق كثير دون هؤلاء، وقرئ عليه بجامع المنصور، وسمعه جمع جم، وآخر من قرآه عليه


(١) صحيح: ورد عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، من كان آخر كلامه لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة يوما من الدهر وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه" أخرجه ابن حبان "٧١٩" موارد وورد عن أبي هريرة موقوفا بلفظ: "من قال عند موته: لا إله إلا الله أنجته يوما من الدهر، أصابه قبل ذلك ما أصابه" أخرجه عبد الرزاق "٦٠٤٥".
وورد عن معاذ بن جبل مرفوعا بلفظ: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"، وهو عند أبي داود "٣١١٦"، والحاكم "١/ ٣٥١".

<<  <  ج: ص:  >  >>