للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

انتهكت، والمقيم للعدل بين سائر أفراد رعيته، الإنس والجن والحيوان والطير إنه لا يرى الهدهد بين الجمع الذي جمع له فيسأل عنه، ويعلن ذلك على الملأ.... وفيه ما فيه من إحاطته بجميع أجزاء مملكته وكافة أفراد رعيته... كما يعلن غضبه من تخلف الهدهد إلا أن يكون عنده عذر أو حجة مقبولة: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ, لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} النمل/٢٠-٢١ وكانت المفاجأة عندما يتقدم هذا الغائب من الملك العظيم غير خائف ولا مرتاع وقي قوة واعتداد واعتزاز.. ليقول: ما غبت إلا لأمر هام عرفته أنا ولم تعرفه أنت أيها الملك وأحطت به ولم تحط به أنت. لقد رأيت أثناء طيراني ملكة لا تعبد الذي يخرج الخبء في السموات وفي الأرض ... وإنما تعبد الشمس هي وقومها من دون الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم.

{فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ. وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ. أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ. اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} النمل/٢٢-٢٦.

ورابعها: يبين موقف سليمان من الهدهد، فهو يأمره بإقامة البينة على دعواه، ويكلفه بعمل ما يثبت قوله، ويأمره بنقل خطاب إلى هذه الملكة يدعوها فيه سليمان إلى الإيمان بالله تعالى وتوحيده، ونبذ عبادة الأوثان والأصنام هي وقومها.

ويطير الهدهد بالكتاب من الشام إلى اليمن ويلقيه بين يدي الملكة، فتطلب من ذويها الرأي والمشورة فيرجعوا إليها الأمر لأنها العارفة بأمور السياسة والمطلعة على سير الملوك وأحوالهم أما هم فأهل الحرب والقوة..

ثم تقدم الملكة على عمل تجربة تتبين من ورائها مدى قوة هذا الملك وقصده، فهل هو كسائر الملوك الذين يسعون إلى جمع المال وقوة السلطة. وهو يسعى إلى هدف نبيل وغاية سامية كما جاء في كتابه فإن كان من الأولين فهو قابل لما ترسله إليه من هدايا مبق على عقيدتها.. فتنقض عليه بعد أن عرفت خباياه.. وإن كان من الآخرين فهو على حق ولا قبل لها به وعليها أن تستسلم إليه: {قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ. قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ. إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قَالَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>