للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الوصية الخامسة]

[المناسية]

...

[الوصية الخامسة]

قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} .

المناسبة:

قد يتلمس الباحث ما يربط به بين المعاني أو الأوامر أو النواهي، وقد يكون ما يصل إليه أمراً واضحاً يتأيد بالأسلوب والمقام، وقد يكون فيه تكلف وبعد. ولعل الناظر في هذه الوصايا الكريمة يجد أن الله عز وجل حرم قتل القلوب بعبادة غير الله عز وجل، أيَّ نوع كان من أنواع العبادة، وصان بعد ذلك الوالدين وحماهما من جهل الجهلاء، وحماقة السفهاء، فالإساءة إليهما أو إلى أحدهما قتل للراوبط الأسرية، وقضاء على الإحسان الذي أمر الله به، ثم أحكم علاقة الأباء بالأبناء، ورسم حدوداً لا يجوز لأي من الأبوين تجاوزها، وصرح عز وجل بتحريم قتل الأولاد، لأن قتلهم قتل للمجتمعات، وقضاء على تتابع الأجيال، ويدخل في هذا الفساد ارتكاب الزنا فهو يقتل المجتمعات حساً ومعنى. وتلا ذلك النهي عن قتل النفس عامة، وهذا العموم يوحي بتضمن ما سبق، فإن كل قتلٍ فردي إنما يقع على جنس النفس في عمومه، يؤيد هذا الفهم قوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ... } ١ الآية. فالاعتداء إنما يقع على حق الحياة ذاتها، وعلى النفوس البشرية في عمومها، والآية الكريمة دليل على أن الله عز وجل كفل حرمة النفس ابتداء٢.


١ الآية (٣٢) من المائدة.
٢ هذا المعنى مستفاد من (الظلال ٤٢٤/٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>