للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاءَهُمُ الْحَقُ

أي القرآن قالُوا هذا سِحْرٌ أي خيال وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ (٣٠) فكفروا بالقرآن واستحقروا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم،

وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ أي من إحدى القريتين مكة، والطائف عَظِيمٍ (٣١) في المال والجاه فالذي بمكة هو الوليد بن المغيرة والذي بالطائف هو عروة بن مسعود الثقفي أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ أي نبوة ربك لمن شاءوا نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ في الرزق دَرَجاتٍ أي متفاوتة لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا أي نحن أوقعنا هذا التفاوت بين العباد في القوة، والضعف، والعلم، والجهل، والحذاقة، والبلاهة، والشهرة، والخمول فلو سوينا بينهم في كل هذه الأحوال لم يخدم أحد أحدا، وحينئذ يفضى ذلك إلى فساد نظام الدنيا، وخراب العالم، ثم إن أحدا من الخلق لم يقدر على تغيير حكمنا في أحوال الدنيا مع دناءتها فكيف يمكنهم الاعتراض على حكمنا في تخصيص بعض العباد بمنصب النبوة، فكما فضلنا بعضهم كما شئنا كذلك اصطفينا بالرسالة من شئنا، وَرَحْمَتُ رَبِّكَ من النبوة وسعادة الدارين خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢) من الأموال، فالعظيم من حاز النبوة لا من حاز الأموال الكثيرة وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (٣٤) أي ولولا أن يرغب الناس في الكفر- إذا رأوا أهل الكفر في سعة من الرزق لحبهم الدنيا فيجتمعوا عليه- لأعطينا الكافرين أكثر الأسباب المفيدة للتنعم ولجعلنا سقف بيوتهم من فضة، ومصاعد من فضة يرتقون عليها، وأبواب بيوتهم من فضة، وسررا من فضة ينامون عليها وَزُخْرُفاً أي زينة من كل شيء في كل شيء، وهو معطوف على «سقفنا» ، ويجوز أن يكون معطوفا على محل فضة، أي جعلنا بعض هذه الأشياء فضة، وبعضها ذهبا.

وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو «سقفنا» بفتح السين وسكون القاف، والباقون بضمهما، وقرئ معاريج وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا، وقرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة «لما» بتشديد الميم، فهو بمعنى إلا و «إن» نافية كما في قراءة أبي وما ذلك أي وما كل ما ذكر إلا شيء يتمتع به في الحياة الدنيا، والباقون بالتخفيف ف «ما» زائدة و «إن» مخففة من الثقيلة، واللام فارقة أي وأنه كل ذلك متاع الحياة.

وقرئ بكسر اللام وهي تعليل و «ما» موصولة قد حذف عائدها أي للّذي هو متاع الحياة وَالْآخِرَةُ أي ما فيها من فنون النعم عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (٣٥) أي عن الكفر والمعاصي، فإن العظيم هو العظيم في الآخرة ولا في الدنيا وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ بضم الشين أي ومن يعرض عن القرآن وقرئ «يعش» بفتح الشين أي يعم، وبالكسر أي يميل وقرئ «يعشو» على أن «من» موصولة غير مضمنة معنى الشرط، والمعنى ومن يعرف أن القرآن حق وهو يتجاهل نُقَيِّضْ لَهُ أي نضم إليه شَيْطاناً فَهُوَ أي الشيطان لَهُ قَرِينٌ (٣٦) في الدنيا وفي النار.

<<  <  ج: ص:  >  >>