للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نصيرهم في الحكم والاعتبار وهم على مساوئ الأحوال أمثال المؤمنين وهم في محاسن الأعمال سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ.

وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص بنصب «سواء» فهو حال من الضمير المستتر في كالذين و «محياهم ومماتهم» مرتفعان على الفاعلية، والمعنى: أحسب الكفار أن نجعل المؤمنين كائنين مثلهم حال كون الكل مستويا محياهم ومماتهم. كلا، لا يستوون في شيء منهما فإن هؤلاء في شرف الإيمان والطاعة في المحيا، وفي رضوان الله تعالى في الممات، وأولئك في ذل الكفر والمعاصي في المحيا، وفي العذاب الخالد في الممات. وقرئ «محياهم ومماتهم» بالنصب على انهما ظرفان أي حال كون كل الفريقين مستويين في محياهم ومماتهم، وقيل: إنهما بدلان من الضمير المنصوب في «نجعلهم» فيصير التقدير أن نجعل محياهم ومماتهم سواء، وقرأ الباقون برفع «سواء» على أنه خبر و «محياهم» مبتدأ والجملة في حكم المفرد في محل النصب هو بدل من المفعول الثاني وهو الكاف. ساءَ ما يَحْكُمُونَ

(٢١) قال الكلبي: إن عتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة بارزوا يوم بدر عليا، وحمزة، وعبيدة بن الحرث، فقتلوا أولئك وقالوا للمؤمنين: والله ما أنتم على شيء ولو كان ما تقولون حقا لكان حالنا أفضل من حالكم في الآخرة كما أنا أفضل حالا منكم في الدنيا فأنكر الله عليهم هذا الكلام وأنزل الله هذه الآية وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ أي لأجل إظهار الحق وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٢) بنقص ثواب، أو بزيادة عقاب، والمعنى: أن المقصود من خلق هذا العالم إظهار العدل والرحمة، وذلك لا يتم إلّا إذا حصل البعث والقيامة، وحصل التفاوت في الدرجات والدركات بين المحقين والمبطلين، وقوله: «لتجزي» معطوف على «بالحق» لأن معنى الباء هنا للتعليل أو معطوف على علة محذوفة، والتقدير خلقها بالحق ليدل بها على قدرته ولتجزى إلخ، وجوز ابن عطية أن تكون هذه اللام لام الصيرورة أي وصار الأمر من حيث اهتدى بها قوم وضل بها آخرون، ولا وقف على قوله تعالى: «بالحق» . وعند أبي حاتم فالوقف عليه تام بجعل لام «لتجزي» لام قسم أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أي أنظرت يا أشرف الخلق فرأيت من ترك متابعة الهدى وأقبل على متابعة الهوى فكان يعبد الهوى فذلك من العجب، وقرئ «آلهته هواه» لأنه كلما مال طبعه إلى شيء اتبعه فكأنه اتخذ هواه آلهة شتى يعبد كل وقت واحدا منها. روي عن أبي رجاء العطاردي انه أدرك الجاهلية، وهو ثقة- مات سنة خمس ومائة وعمره مائة وعشرون سنة- قال: كنا نعبد الحجر فإذا وجدنا حجرا أحسن منه ألقيناه وأخذنا الآخر فإذا لم نجد حجرا جمعنا حشوة من تراب فحلبنا عليها ثم طفنا بها. وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وهذا إما حال من الفاعل أي عالما بأن جوهر روحه لا يقبل الصلاح أو من المفعول والمعنى وأضله وهو عالم بالحق وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ فلا يقبل المواعظ ولا يتفكر في النذر وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً أي غطاء مانعا عن الاعتبار.

<<  <  ج: ص:  >  >>