للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله وأفضل نصيبا، وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ، أي ولا يعب بعضكم بإشارة أو نحوها، فصرتم عائبين من وجه معيبين من وجه وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ، أي ولا يدع بعضكم بعضا بلقب السوء بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ أي بئس الذكر المرتفع للمؤمنين أن يذكروا بالفسق بعد دخولهم في الإيمان واشتهارهم به. ويقال: هذا إتمام للزجر، ويصير التقدير: بئس الفسوق بعد الإيمان، وبئس أن تسموا بالفاسق بسبب السخر واللمز والتنابز بعد ما سميتم مؤمنين. وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١) أي ومن يجعل ذلك عادة، ولم يتركه، ولم يتب عما مضى فهو ظالم. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ فيجب الاحتياط والتأمل في كل ظن حتى يعلم أنه من أي نوع، فإن من الظن ما يجب اتباعه، كالظن فيما لا قاطع فيه من العمليات، وظن الخير من الله تعالى،

ففي الحديث القدسي «أنا عند ظن عبدي بي فلا يظن بي إلّا خيرا»

، وظن الخير في المؤمن، كما

قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ظنوا بالمؤمن خيرا»

ومنه ما يحرم كالظن في الإلهيات والنبوات، وظن السوء بالمؤمن، ومنه ما يباح كالظن في الأمور المعاشية. إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ أي ذنب يستحق العقوبة وَلا تَجَسَّسُوا أي ولا تبحثوا عن عورات المسلمين. والمعنى: ولا تتبعوا الظن ولا تجتهدوا في طلب اليقين في معايب الناس، وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أي لا يذكر بعضكم بعضا بالسوء في غيبته. أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً.

وقرأ نافع بتشديد الياء وهو حال من «اللحم» ، أو من «الأخ» ، فالاغتياب كأكل لحم الآدمي ميتا، ولا يحل أكله إلّا للمضطر بقدر الحاجة، فالمغتاب إن وجد لحاجته مدفعا غير الغيبة فلا يباح له الاغتياب، ففي هذه الآية نهى عن اغتياب المؤمن دون الكافر. أما الفاسق فيجوز أن يذكر بما فيه عند الحاجة، فمن نقص مسلما أم ثلم عرضه فهو كآكل لحمه، حيا ومن اغتابه فهو كآكل لحمه ميتا، لأن الميت لا يعلم بأكل لحمه كما أن الحي لا يعلم بغيبة من اغتابه.

فَكَرِهْتُمُوهُ؟ أي الأكل، فالاستفهام في قوله تعالى: أَيُحِبُّ للإنكار، فكأنه تعالى قال: لا يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه إذا. وقرئ «كرهتموه» بغير فاء أي جبلتم على كراهته، وَاتَّقُوا اللَّهَ بترك ما أمرتم باجتنابه، وبالندم على ما صدر عنكم من قبل، إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢) ذكر الله تعالى في هذه الآية أمورا ثلاثة مرتبة، فكأنه تعالى قال: لا تقولوا في حق المؤمنين ما لم تعلموه فيهم، بناء على الظن، ثم إذا سئلتم عن المظنونات فلا تقولوا: نحن نكشف أمورهم لنستيقنها قبل ذكرها، ثم إن

علمتم منها شيئا من غير تجسس فلا تقولوه، ولا تفشوه عنهم، ففي الأول نهي عن التكلم بما لم يعلم، ثم نهي عن طلب علم عيب الناس، ثم نهي عن ذكر ما علم منه.

روي أن رجلين من الصحابة بعثا سلمان إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطلب منه لهما طعاما فقال له:

«انطلق إلى أسامة بن زيد واطلب منه فضل طعام وإدام إن كان عنده» . فأتاه فقال ما عندي شيء،

<<  <  ج: ص:  >  >>