للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نياتهم. آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وهذا خطاب مع من عرف الله، فالمقصود من هذا الأمر معرفة صفات الله، أما معرفة وجود الصانع فحاصلة للكل، وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ أي من الأموال التي في أيديكم التي جعلكم الله بمنزلة الوكلاء فيها، تحفظونها لمن يأتون بعدكم فلا ينبغي لكم البخل بها، فالصواب أن تصرفوها في الوجوه التي تنفعكم في المعاد، فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا أموالهم في طاعة الله لَهُمْ بسبب ذلك، أَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) لا تبلغ عقولكم حقيقة كبره، وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ أيّ أي شيء يحصل لكم غير مؤمنين بالله، والحال أن الرسول يدعوكم للإيمان به، والحال أن الله قد نصب الدلائل الموجبة لقبول دعوة الرسول في العقول فقد تطابقت دلائل النقل والعقل، وسميت الدلائل المستلزمة وجوب القبول ميثاقا، لأنها أوكد من الحلف إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) ، أي إن كنتم تؤمنون بشيء لأجل دليل، فما لكم لا تؤمنون الآن فإنه قد تطابقت الدلائل النقلية والعقلية، وبلغت مبلغا لا يمكن الزيادة عليها. وقرأ أبو عمرو «أخذ ميثاقكم» بالبناء للمفعول، وبرفع ميثاقكم، أي مكن عقولكم من النظر في الأدلة، هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ محمد عليه الصلاة والسلام آياتٍ بَيِّناتٍ وهي القرآن، لِيُخْرِجَكُمْ أي الله أو العبد بتلك الآيات، مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ أي من الكفر إلى الإيمان، وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٩) حيث يهديكم إلى سعادة الدارين بإرسال الرسول وتنزيل الآيات بعد نصب الأدلة العقلية، وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي وأيّ شيء يحصل لكم يا معشر المؤمنين في أن لا تنفقوا فيما هو قربة إلى الله تعالى ما هو له في الحقيقة، والحال أنه لا يبقى لكم شيء منها، بل يبقى كله لله تعالى، فإنكم ستموتون فتورثون، أي وذلك لأن المال لا بد من خروجه عن اليد، إما بالموت وإما بالإنفاق في طاعة الله، فإن خرج عن اليد بغير الإنفاق في طاعة الله استعقبه اللعن والعقاب، وإن خرج عنها بالإنفاق في مرضاة الله استعقبه المدح والثواب، لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أي لا يستوي منكم يا معشر المؤمنين عند الله في الفضل من أنفق من قبل فتح مكة، وقاتل أعداء الله، ومن أنفق وقاتل من بعد فتح مكة وقوة الإسلام. وقرئ «قبل الفتح» بغير «من» ، أُولئِكَ أي المنعوتون بذينك النعتين الجميلين أَعْظَمُ دَرَجَةً، وأرفع منزلة عند الله مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا. وهذه الآية نزلت في أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه، فإنه من آمن وأنفق في سبيل الله وخاصم الكفار حتى ضرب ضربا شديدا، أشرف به على الهلاك.

قال عمر: كنت قاعدا عند النبي صلّى الله عليه وسلّم وعنده أبو بكر عليه عباءة قد خللها في صدره بخلال، فنزل عليه صلّى الله عليه وسلّم جبريل عليه السلام فقال: ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة خللها في صدره بخلال؟ فقال:

«أنفق ماله علي قبل الفتح» قال: فإن الله عز وجل يقول: اقرأ عليه السلام وقل له: أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ فقال: أبو بكر أأسخط على ربي! إني عن ربي راض.

وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>