للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في السر لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ- وهم اليهود من بني قريظة والنضير، فهم مشتركون في الكفر وفي عداوة محمد صلّى الله عليه وسلّم- لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ من المدينة لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ ونذهبن في صحبتكم أينما ذهبتم، وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أي في شأنكم أَحَداً يمنعنا من الخروج معكم أَبَداً، أي وإن طال الزمان. وقيل: لا نعين عليكم أحدا من أهل المدينة، وَإِنْ قُوتِلْتُمْ من أي مقاتل كان لَنَنْصُرَنَّكُمْ على عدوكم وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١١) في تلك المقالات الثلاثة المؤكدة بالأيمان الفاجرة، لَئِنْ أُخْرِجُوا أي اليهود من المدينة لا يَخْرُجُونَ أي المنافقون مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ، وكان الأمر كذلك، وفي هذا دليل على صحة النبوة وإعجاز القرآن حيث أخبر عما سيقع فوقع الأمر كما أخبر، وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١٢) ، أي ولئن خرج المنافقون لقصد نصر اليهود لينهز من المنافقون، ثم يهلكهم الله ولا ينفعهم نصرة المنافقين لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ أي أن خوف المنافقين واليهود في السر من المؤمنين أشد من خوفهم من الله الذي يظهرونه للمؤمنين، وكانوا يظهرون لهم خوفا شديدا من الله، والمعنى: أنهم لا يقدرون على مقابلتكم، لأنكم أشد مرهوبية في صدورهم، وهم يظهرون خوفهم من الله، ذلِكَ أي كون خوفهم من المخلوق أشد من خوفهم من الخالق، بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٣) أي بسبب أنهم قوم لا يعلمون عظمة الله فيخشوه حق خشيته، لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ، أي لا يقدر اليهود والمنافقون على مقاتلتكم مجتمعين في موطن إلا إذا كانوا في قرى محصنة بالخنادق والدروب، أو إلا إذا كان بينكم وبينهم حائط، وذلك بسبب أن الله ألقى في قلوبهم الرعب وأن نصرة الله معكم.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «جدار» بكسر الجيم وفتح الدال بالإمالة في جدار كما هو قراءة أبي عمرو وبالصلة في بينهم بحيث يتولد منها واو كما هو قراءة ابن كثير والباقون «جدر» بضم الجيم والدال، بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ أي قتالهم فيما بينهم شديد إذا قاتلوا قومهم تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى أي تحسبهم في صورتهم مجتمعين على المحبة، متفقين على أمر واحد.

والحال أن قلوبهم مختلفة، لأن كل أحد منهم على مذهب آخر وبينهم عداوة وشديدة، ذلِكَ أي تشتت قلوبهم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (١٤) أن تشتيت قلوبهم مما يوهن قواهم إذ لو عقلوا لاجتمعوا على الحق ولم يتفرقوا في العقائد والمقاصد، كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ أي صفة بني قريظة في نقض العهد كصفة الذين من قبلهم بسنتين، وهم بنو النضير ذاقوا عقوبة أمرهم من نقض العهد، وَلَهُمْ في الآخرة عَذابٌ أَلِيمٌ (١٥) كَمَثَلِ الشَّيْطانِ، أي ومثل المنافقين في إغرائهم إياهم على القتال وخذلانهم كمثل الأبيض مع برصيصا العابد، فالأبيض هو صاحب الأنبياء والأولياء، وهو الذي تصدّى للنبي صلّى الله عليه وسلّم وجاءه في صورة جبريل ليوسوس إليه

<<  <  ج: ص:  >  >>