للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشراد عن الإيمان، ثم ضرب الله مثلا للمشرك والموحد فقال: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢) ، أي أفمن يمشي في مكان غير مستو فيعثر كل ساعة ويخر على وجهه في كل خطوة أهدى إلى المقصد، أم من يمشي معتدلا على طريق مستو لا عوج فيه ولا انحراف سالما من العثور والخرور؟ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ أي أوجدكم إيجادا بديعا، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ لتسمعوا به الآيات القرآنية، وَالْأَبْصارَ لتنظروا بها إلى الآيات التكوينية، وَالْأَفْئِدَةَ لتتفكروا بها فيما تسمعونه من الآيات التنزيلية، وفيما تشاهدونه من الآيات التكوينية، قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ (٢٣) لأن شكر نعمة الله تعالى هو أن يصرف تلك النعمة إلى وجه رضاه، وأنتم لما صرفتم السمع والبصر والعقل إلى غير طلب مرضاته، فأنتم ما شكرتم نعمته ألبتة قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ، أي خلقكم وكثركم فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) في الآخرة للجزاء، وَيَقُولُونَ أي كفار مكة من فرط عنادهم، مَتى هذَا الْوَعْدُ أي الحشر الموعود إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) أي إن كنتم صادقين بما تخبرونه من مجيء الساعة والحشر فبينوا وقته، قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ بوقت مجيئه عِنْدَ اللَّهِ لا يطلع عليه غيره، وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٦) أنذركم وقوع الموعود، فإن العلم بالوقوع غير العلم بوقت الوقوع، فالعلم الأول كاف في الإنذار، العلم الثاني ليس إلا الله، فَلَمَّا رَأَوْهُ أي العذاب بعد الحشر زُلْفَةً أي ذا قرب سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا أي اسودت وجوههم، وعلتها الكآبة، وصارت كوجه من يقاد إلى القتل، وَقِيلَ أي قال لهم الخزنة توبيخا: هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (٢٧) أي تطلبونه في الدنيا وتستعجلونه استهزاء، أو هذا الذي كنتم تدعون أنه باطل لا يأتيكم.

وقرأ الحسن وقتادة وأبو رجاء والضحاك، ويعقوب، وأبو زيد، وأبو بكر، وابن أبي عبلة، ونافع في راوية الأصمعي بسكون الدال من الدعاء وهي مؤيدة للقول بأن تدعون مثقلة من الدعاء في قراءة العامة. وقيل: من الدعوى. قُلْ أَرَأَيْتُمْ أي أخبروني إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ، أي إن أماتني الله وَمَنْ مَعِيَ من المؤمنين أَوْ رَحِمَنا بتأخير آجالنا، فأيّ راحة لكم في ذلك، وأي منفعة لكم فيه.

يروى أن كفار مكة كانوا يدعون على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعلى المؤمنين بالهلاك حين خوّفهم النبي بعذاب الله، فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٨) أي من الذي يجيركم من عذاب الله إذا نزل بكم أتظنون أن الأصنام تجيركم، فإذا علمتم أن لا مجير لكم منه سواء متنا أو بقينا فهلا تمسكتم بما يخلصكم من العذاب وهو العلم بالتوحيد والنبوة والبعث، قُلْ هُوَ أي الذي أدعوكم إلى عبادته الرَّحْمنُ أي معطي النعم كلها آمَنَّا بِهِ ولم نكفر به كما كفرتم، وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا لا على غيره كما فعلتم حيث توكلتم على رجالكم وأموالكم وهو لا يقبل دعاءكم، لأنكم أهل الكفر، فَسَتَعْلَمُونَ عند معاينة العذاب في الآخرة مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٩) أي ظاهر، أنحن أم أنتم.

<<  <  ج: ص:  >  >>