للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبل دعاء الرسول، فلما دعا صلّى الله عليه وسلّم كفار قريش إلى الله قالوا: إنه لمجنون، فأقسم الله تعالى على أنه ليس بمجنون،

وَإِنَّ لَكَ يا أكرم الخلق على ما تحملت من أثقال الرسالة ومن ألوان الشدائد من جهة قومك لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣) أي غير مقطوع، وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤) كانت نفسه صلّى الله عليه وسلّم شديدة النفرة عن اللذات البدنية والسعادات الدنيوية بالطبع، ومقتضى الفطرة عن عائشة قالت:

ما كان أحد أحسن خلقا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما دعاه أحد من أصحابه ولا من أهل بيته إلا قال:

لبيك، وقال أنس: خدمت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عشر سنين، فما قال لي في شيء فعلته: لم فعلت؟ ولا في شيء لم أفعله: هلا فعلت. فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) أي فستعلم يا محمد ويعلم المشركون يوم القيامة حين يتبين الحق من الباطل، أو فسترى يا محمد ويرون في الدنيا أنك تصير معظما في القلوب وأنهم يصيرون ذليلين، بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦) والباء إما زائدة أي أيكم الذي فتن بالجنون، أو بمعنى في أي الفريقين المجنون، أفي فرقة الإسلام، أم في فرقة الكفار ويؤيده قراءة ابن أبي عبلة في «أيكم» . وقيل: إن المفتون مصدر جاء على مفعول والتقدير: بأيكم الفتون؟ أي الجنون. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ، أي هو أعلم بالمجانين على الحقيقة وهم الذين ضلوا عن سبيله تعالى المؤدي إلى سعادة الدارين، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧) أي وهو أعلم بالعقلاء وهو المهتدون إلى سبيله، الفائزون بكل مطلوب، الناجون عن كل محذور، فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) وهم رؤساء أهل مكة الذين دعوه صلّى الله عليه وسلّم إلى دين آبائهم، وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩) أي تمنوا إن تترك بعض ما أنت عليه مما لا يرضونه مصانعة لهم فيفعلوا مثل ذلك وإن يتركوا بعض ما لا ترضى به فتلين لهم ويلينون لك، و «لو» مصدرية، أي ودوا ادهانك فهم الآن يدهنون لطمعهم في ادهانك، وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ أي كثير الحلف في الحق والباطل، مَهِينٍ (١٠) أي ضعيف في دين الله، حقير في التدبير والتمييز،

مُعْتَدٍ

أي ظلوم أَثِيمٍ (١٢) ، أي مبالغ في الإثم، عُتُلٍّ أي شديد الخصومة أو واسع البطن بَعْدَ ذلِكَ، أي مع تلك المثالب زَنِيمٍ (١٣) ، أي دعي ملصق بالقوم وليس منهم، والظرف متعلق «بزنيم» .

قيل: هو الوليد ادعاه المغيرة بعد ثماني عشرة سنة من ولادته ونسبه لنفسه بعد أن كان لا يعرف له أب، ولما نزلت هذه الآية قال لأمه: إن محمدا وصفني بتسع صفات أعرفها غير التاسع منها، فإن لم تصدقيني الخبر ضربت عنقك. فقالت له: إن أباك أي المغيرة عنين، فخفت على المال، فمكنت الراعي من نفسي، وكان للوليد عشرة من البنين، وكان يقول لهم ولأقاربه: لئن تبع دين محمد أحد منكم لا أنفعه بشيء أبدا، فمنعهم من الإسلام، وكان ينفق في الحجة الواحدة عشرين ألفا وألفا، ولا يعطي المسكين درهما واحدا. وهذه الآية عند أكثر المفسرين نزلت في

<<  <  ج: ص:  >  >>