للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القسم، وعند ابن عباس، لكن قراءته «رب المشارق والمغارب» . والباقون بالرفع على المدح وهو خبر مبتدأ محذوف والتقدير: هو أو على الابتداء وخبره جملة، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (٩) فالإنسان في مبدأ السير يكون طالبا للحصة فيكون تبتله إلى الله تعالى بسبب كونه مبدأ للتكميل ثم في آخر السير يترقى عن طلب الحصة فيكون في هذه الحالة بسبب كونه كاملا فقوله:

رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ إشارة إلى الحالة الأولى التي هي أول درجات المتبتلين. وقوله: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إشارة إلى الحالة الثانية التي هي منتهى درجات المتبتلين. وقوله: فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا إشارة إلى مقدم التفويض وهو أن يرفع الاختيار ويفوض الأمر بالكلية إليه تعالى، فإن أراد الله أن يجعله متبتلا رضي بالتبتل، وإن أراد له عدم التبتل رضي الله به لا من حيث ذلك بل من حيث ذلك مراد الله تعالى وهاهنا آخر الدرجات، وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ مما لا خير فيه فمن أراد المخالطة مع الخلق فلا بد له من الصبر الكثير، وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا (١٠) بأن يجانبهم بقلبه ويخالفهم في الأفعال مع المداراة، وترك المكافأة وهذا هو الأخذ بإذن الله فيما يكون أدعى إلى القبول فلا يأتي النسخ بمثله،

وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ أي اتركني وأرباب التنعم وكل أمرهم إلي، وهم صناديد قريش، وهذا بفتح النون فهو بمعنى الترفه، إما بكسرها فهي بمعنى الأنعام وإما بضمها فهي بمعنى المسرة، وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (١١) أي زمانا قليلا أيام الحياة الدنيا فقتلوا ببدر، إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا أي إن لهم عندنا في الآخرة أمورا مضادة لتنعمهم قيودا تقيد بها أرجلهم وأغلالا تغل بها إيمانهم إلى أعناقهم وسلاسل توضع في أعناقهم، وَجَحِيماً (١٢) أي نارا عظيمة يدخلونها وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ، أي تمسك في الحلوق وهو الزقوم والضريع وَعَذاباً أَلِيماً (١٣) وهو أنواع العذاب يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ متعلق بالاستقرار الذي تعلق به لدينا، أي استقر لهم عندنا ما ذكر يوم تزلزل الأرض وأوتادها، وقرأ زيد بن علي «ترجف» مبنيا للمفعول، وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا (١٤) ، أي وصارت الجبال ترابا متناثرا بعضه على بعض لرخاوته، وسمي الكثيب كثيبا، لأن ترابه دقاق، إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ يا أهل مكة رَسُولًا- محمدا صلّى الله عليه وسلّم- شاهِداً عَلَيْكُمْ أي يشهد يوم القيامة بما صدر عنكم من الكفر التكذيب، كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ ملك مصر رَسُولًا (١٥) - وهو موسى عليه السلام- فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ الذي أرسلناه إليه، فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلًا (١٦) أي فعاقبناه عقوبة شديدة- وهي الغرق- فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (١٧) أي فكيف تقون أنفسكم إن بقيتم على الكفر في الدنيا عذاب يوم يصير ذلك اليوم الولدان شمطا، إذا سمعوا حيث يقول الله لآدم: ابعث بعثا من ذريتك إلى النار. قال آدم: يا رب، من كم؟ قال الله تعالى: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة. وقرأ زيد بن علي «يوم يجعل» بإضافة الظرف للجملة والفاعل ضمير راجع إلى الله تعالى، أي فكيف لكم يا أهل مكة بالتقوى في يوم القيامة إن كفرتم في الدنيا، السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ، أي منشق بذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>