للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألف سنة وتسعمائة سنة وخمس وسبعون سنة. «ومصدقا» معطوف على «رسولا» وَجئتكم لِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ في شريعة موسى عليه السلام من الشحوم والثروب للبقر والغنم، ولحوم الإبل ومما لا صيصية له من السمك والطير، ومن العمل في يوم السبت وهذا لا يقدح في كونه مصدقا للتوراة لأن النسخ تخصيص في الأزمان وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ شاهدة على صحة رسالتي. وقرئ بآيات فَاتَّقُوا اللَّهَ في عدم قبولها وَأَطِيعُونِ (٥٠) فيما آمركم به وأنهاكم عنه عن الله تعالى

إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ وإنما أظهر سيدنا عيسى الخضوع، وأقر بالعبودية لكيلا يتقولوا عليه الباطل فيقولوا: إنه إله وابن إله لأن إقراره بالعبودية لله يمنع مما تدعيه جهال النصارى عليه فَاعْبُدُوهُ أي لازموا طاعته التي هي الإتيان بالأوامر والانتهاء عن المناهي، أي لما كان الله تعالى رب الخلائق بأسرهم وجب على الكل أن يعبدوه.

وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ إشارة إلى أن استكمال القوة النظرية بالتوحيد. وقوله:

فَاعْبُدُوهُ إشارة إلى أن استكمال القوة العملية بالطاعة هذا أي الجمع بين التوحيد والعبادة صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٥١) أي دين قائم يرضاه الله تعالى- وهو الإسلام- ونظير

قوله صلّى الله عليه وسلّم: «قل آمنت بالله ثم استقم» «١» لرجل قال: يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحدا بعدك

فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ أي فلما سمع عيسى بأذنه من بني إسرائيل تكرار الكفر وطلبوا قتله لأنهم كانوا عارفين بأنه هو المسيح المبشّر به في التوراة وأنه ينسخ دينهم. قالَ لأصفياء أصحابه: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ أي من أنصاري حال التجائي إلى الله؟ ويقال: من أعواني؟ - مع الله على أعدائه- قالَ الْحَوارِيُّونَ أي القصارون أي الذين يبيضون الثياب نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ أي نحن أعوانك مع الله على أعدائه. قيل: كانوا تسعة وعشرين. سمي منهم قطرس ويعقوب ولحيس وإيدارانيس، وقيلس وابن تلما، ومتنا وبوقاس ويعقوب بن حليفا، وبداوسيس، وقياسا، وبودس وكدمابوطا، وسرجس وهو الذي ألقى عليه شبهه. أخرج ذلك ابن جرير عن ابن إسحاق. وقيل: كان الحواريون اثني عشر رجلا آمنوا بعيسى عليه السلام واتبعوه وكانوا إذا جاعوا قالوا: جعنا يا روح الله فيضرب بيده الأرض فيخرج منها لكل واحد رغيفان. وإذا عطشوا قالوا: عطشنا، فيضرب بيده الأرض فيخرج منها الماء فيشربون. فقالوا: من أفضل منا؟ قال عليه السلام: أفضل منكم من يعمل بيده ويأكل من كسبه. فصاروا يغسلون الثياب بالأجرة، فسموا حواريين، أي إن اليهود لما طلبوا عيسى عليه السلام للقتل وكان هو في الهرب عنهم قال لأولئك الاثني عشر من الحواريين أيكم يحب أن يكون رفيقي في الجنة على أن يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني؟ فأجابه إلى ذلك بعضهم: آمَنَّا بِاللَّهِ فهذا استئناف يجري مجرى العلة لما قبله.


(١) رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب: ٦٢، وأحمد في (م ٣/ ص ٤١٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>