للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال مجاهد وغيره: نزلت هذه الآيات في أبي جهل، أي فهو ما صدق بالدين، وَلا صَلَّى (٣١) أي ما صلى أبو جهل صلاة شرعية، وَلكِنْ كَذَّبَ ما يجب تصديقه من الرسول والقرآن، وَتَوَلَّى (٣٢) أي أعرض عن الطاعة، ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (٣٣) أي يتمدد ويختال في مشيته، لأن المتبختر يمد خطاه، فاستقبله النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأخذه، فهزه هزة أو هزتين وقال له: أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ، أي ويل لك يا أبا جهل وهو دعاء عليه بأن يليه ما يكرهه، ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٥) ، أي وعيدا لك يا أبا جهل، احذر يا أبا جهل فقد قرب منك ما لا قبل لك به من المكروه.

وقال القاضي: المعنى: بعدا لك، بعدا لك، أي بعدا في أمر دنياك، وبعدا في أمر أخراك.

قال قتادة ومقاتل: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيد أبي جهل بالبطحاء وقال له: «أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى» «١» . فقال أبو جهل بأيّ شيء تهددني يا محمد؟ فو الله لا تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئا، وإني والله لأعز أهل هذا الوادي، وأعز من مشى بين جبليها. ثم انسل ذاهبا.

فأنزل الله تعالى مثل ذلك: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (٣٦) أي مهملا لا يؤمر ولا ينهى ولا يكلف في الدنيا، ولا يحاسب بعمله في الآخرة، أَلَمْ يَكُ أي الإنسان نُطْفَةً أي ماء قليلا في صلب الرجل، وترائب المرأة مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (٣٧) أي يصب في الرحم، ثُمَّ كانَ عَلَقَةً أي ثم صار المني دما عبيطا بقدرة الله تعالى، ثُمَّ كانَ عَلَقَةً، أي فنفخ الله في ذلك الإنسان الروح فكمل أعضاءه.

وهذا قول ابن عباس ومقاتل، فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ أي فجعل الله من الإنسان الصنفين الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣٩) ، يجتمعان تارة في الرحم، وينفرد كل منهما عن الآخر تارة، وكان لأبي جهل ابن اسمه عكرمة وبنت اسمها جويرية. أَلَيْسَ ذلِكَ الذي أنشأ هذه الأشياء بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (٤٠) للبعث، فالإعادة أهون من البدء في قياس العقل.

روي أنه صلّى الله عليه وسلّم كان إذا قرأ هذه السورة قال: «سبحانك اللهم بلى» «٢» . رواه أبو داود والحاكم.

وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: من قرأ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى: ١] إماما كان أو غيره فليقل سبحان ربي الأعلى ومن قرأ: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ إلى آخرها فليقل:

سبحانك اللهم بلى. إماما كان أو غيره.


(١) رواه الطبري في التفسير (٢٥: ٨٠) .
(٢) رواه البيهقي في السنن الكبرى (٧: ٢٣٥) ، والمتقي الهندي في كنز العمال (٢١٦٥٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>