للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقرأ نافع وأبو عمرو وهشام وحفص بضم العين. والباقون بكسرها، وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢) فمتى اشتهوا فاكهة وجدوها حاضرة فليست فاكهة الجنة مقيدة بوقت دون وقت، كما في أنواع فاكهة الدنيا، فيقول الله تعالى لهم: كُلُوا من الثمار وَاشْرَبُوا من الأنهار هَنِيئاً أي سائغا بلا داء ولا تعب بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣) في الدنيا من الخيرات ذكر الله تعالى ثلاثة أنواع من النعم في مقابلة ثلاث شعب من النار، كأنه قيل: ظلال المكذبين ما كانت ظليلة، وما كانت مغنية عن اللهب والعطش، أما المتقون فظلالهم ظليلة حاجزة بينهم وبين اللهب، ومغنية لهم عن العطش ومعهم الفواكه التي يتمنونها في مقابلة شرار النار التي يخافها المكذبون، ولما قال تعالى للكفار: انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ قال المؤمنين: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً. إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٤٤) أي إنا نجزي المحسنين في العقيدة مثل ذلك الجزاء وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٥) يكون هذا النعيم للمتقين المحسنين، كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا أي كلوا يا معشر المكذبين وعيشوا يسيرا في الدنيا، إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (٤٦) أي مشركون، مصيركم النار في الآخرة.

وقال أبو السعود: وهذا مقدر بقول هو حال من المكذبين، أي الويل ثابت لهم مقولا لهم ذلك تذكيرا لهم بحالهم في الدنيا، وبما جنوا على أنفسهم من إيثار المتاع الفاني عن قريب على النعيم الخالد، وعلّل ذلك بإجرامهم دلالة على أن كل مجرم مآله هذا، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٧) بما يجب تصديقه. وهذا هو النوع التاسع من أنواع تخويف الكفار، وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (٤٨) ، أي وإذا قيل للمجرمين في الدنيا: اخضعوا لله بالتوحيدة، وأطيعوا، لا يقبلون ذلك. ويقال: نزلت هذه الآية في ثقيف حيث قالوا: لا نحني ظهورنا بالركوع والسجود.

ويقال: هذا في الآخرة وذلك لما يقول الكفار: والله ربنا ما كنا مشركين. قال الله تعالى لهم:

اسجدوا إن كنتم صادقين فيما تقولون، فلم يقدروا على السجود وبقيت أصلابهم كالصياصي.

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٩) بمن يرشدهم إلى المصالح الجامعة بين خيرات الدنيا والآخرة، وهذا هو النوع العاشر من أنواع تخويف الكفار، فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (٥٠) أي إذا لم يؤمنوا بهذه الدلائل اللطيفة مع وضوحها، فبأي كلام بعدها يؤمنون، لأن القرآن مصدّق للكتب القديمة، موافق لها في أصول الدين، فيلزم من تكذيبه تكذيب غيره من الكتب، لأن ما في غيره موجود فيه، فلا يمكن الإيمان بغيره مع تكذيبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>