للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُكَذِّبُونَ

يا معشر قريش بِالدِّينِ (٩) ، أي بالجزاء على الأعمال، وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) حال من فاعل تكذبون، أي تكذبون بالجزاء والحال أن عليكم من قبلنا لحافظين لأعمالكم،

كِراماً عندنا كاتِبِينَ (١١) لهذه الأعمال في الصحف، كما تكتب الشهود منكم العهود ليقع الجزاء على غاية التقويم، يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (١٢) من الأفعال، قليلا وكثيرا، ويضبطونه نقيرا وقطميرا لتجازوا بذلك، إِنَّ الْأَبْرارَ أي الصادقين في إيمانهم لَفِي نَعِيمٍ (١٣) ، أي لفي جنة دائم نعيمها، وَإِنَّ الْفُجَّارَ أي الكافرين المكذبين بيوم الدين لَفِي جَحِيمٍ (١٤) أي في نار عظيمة، يَصْلَوْنَها أي يدخلونها يَوْمَ الدِّينِ (١٥) أي يوم الحساب، وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (١٦) طرفة عين حتى قبل الدخول فيها فإنهم يجدون سمومها في قبورهم كما

قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران»

«١» . وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٨) أي أيّ شيء عجيب هو في الهول والفظاعة جعلك داريا يوم الدين، و «ما» الاستفهامية خبر ل «يوم الدين» ، فإن مدار الإفادة هو الخبر، يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً.

قرأ ابن كثير وأبو عمرو برفع «يوم» وقرأ أبو عمرو في رواية «يوم» مرفوعا منونا على جعل الجملة بعده نعتا له، والعائد محذوف أي لا تملك فيه. وقرأ الباقون يوم بالفتح، وهي إما فتحة إعراب بإضمار اذكر، أو فتحة بناء وإنما بني لإضافته للفعل، وإن كان معربا على رأي الكوفيين ويكون خبرا لمبتدأ مضمر.

وقال أبو علي: إن اليوم لما جرى في أكثر الأمر ظرفا فاترك على حالة الأكثرية، ومما يقوى النصب قوله تعالى: وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ [القارعة: ٢، ٣] وقوله تعالى:

يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ [الذاريات: ١٢، ١٣] .

قال الواحدي: والمعنى أن الله تعالى لم يملك في ذلك اليوم أحدا شيئا من الأمور كما ملكهم في دار الدنيا، وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩) .

قال الواسطي: قوله: يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً إشارة إلى فناء غير الله تعالى وهناك تذهب الرسالات والكلمات. وقوله: وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ إشارة إلى أن البقاء لله والأمر كذلك في الأزل، وفي اليوم وفي الآخرة، ولم يتغير من حال إلى حال فالتفاوت عائد إلى أحوال الناظر لا إلى أحوال المنظور إليه، فالكاملون لا تتفاوت أحوالهم بحسب تفاوت الأوقات.


(١) رواه السيوطي في الدر المنثور (٦: ٣٢٥) ، بما معناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>