للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما قاله أبو حاتم وغيره، وقال ابن الأنباري: جواب القسم قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ أي وإنما أجازوا الوقف هنا لطول الكلام، لكن ينبغي حينئذ أن يقال وقف صالح أو نحوه لا تام للفصل بين القسم وجوابه أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (٦) أي ألم تعلم يا أشرف الخلق علما يقينا كيف أهلك الله قوم هود عند التكذيب إِرَمَ عطف بيان ل «عاد» للإعلام بأنهم عاد الأولى القديمة إن جعلنا إرم اسما للقبيلة بتقدير مضاف أي سبط إرم فإرم جد عاد فإن عادا هو ابن عوص بن إرم ابن سام بن نوح عليه السلام وإن جعلناه اسم البلدة كان التقدير بعاد أهل إرم ويدل عليه قراءة ابن الزبير «بعاد إرم» على الإضافة وقرأ الحسن «بعاد إرم» مفتوحتين ذاتِ الْعِمادِ (٧) أي ذات الأساطين من ذهب وفضة أي ذات القدود الطوال الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها أي مثل تلك المدينة في الحسن، والجمال، أو مثل عاد في عظم الجثة وشدة القوة فِي الْبِلادِ (٨) أي في جميع بلاد الدنيا.

وقرأ ابن الزبير و «لم يخلق مثلها» بالبناء للفاعل أي لم يخلق الله مثل إرم مدينة شداد. روي أنه كان لعاد ابنان شداد، وشديد فملكا بعده وقهرا البلاد والعباد، ثم مات شديد وخلص الملك لشداد فملك الدنيا ودانت له الدنيا، وكان يحب قراءة الكتب القديمة فسمع بذكر الجنة وصفتها ودعته نفسه إلى بناء مثلها عتوا على الله تعالى فبنى مدينة إرم في بعض صحاري عدن في ثلاثمائة سنة، وهي مدينة عظيمة قصورها من الذهب، والفضة، وأساطينها من الزبرجد، والياقوت، وفيها أصناف الأشجار والأنهار المطردة، فروى وهب بن منبه عن عبد الله بن قلابة أنه خرج في طلب إبل له شردت فبينما هو يسير في صحارى عدن إذ وقع على مدينة في تلك الفلوات عليها حصن وحول الحصن قصور كثيرة فلما دنا منها ظن أن فيها أحدا يسأله عن إبله فلم ير خارجا ولا داخلا فنزل عن دابته وعقلها وسل سيفه ودخل من باب المدينة، فإذا هو ببابين عظيمين وهما مرصعان بالياقوت الأحمر فلما رأى ذلك دهش ففتح الباب ودخل، فإذا هو بمدينة لم ير أحد مثلها وإذا فيها قصور في كل قصر منها غرف وفوق الغرف غرف مبنية بالذهب والفضة وأحجار اللؤلؤ والياقوت، وإذا أبواب تلك القصور مثل مصاريع باب المدينة يقابل بعضها بعضا وهي مفروشة كلها باللؤلؤ وبنادق المسك والزعفران فلما عاين ذلك، ولم ير أحدا هاله ذلك، ثم نظر إلى الأزقة فإذا في تلك الأزقة أشجار مثمرة وتحت تلك الأشجار أنهار يجري ماؤها في قنوات من فضة، فقال الرجل في نفسه: هذه الجنة وحمل معه من لؤلؤها ومن بنادق مسكها وزعفرانها، ورجع إلى اليمن وأظهر ما كان معه وحدث بما رأى، فبلغ ذلك معاوية فأرسل إليه فقدم عليه فسأله عن ذلك فقص عليه ما رأى فأرسل معاوية إلى كعب الأحبار فلما أتاه وقال له: يا أبا إسحاق هل في الدنيا مدينة من ذهب وفضة قال: نعم هي إرم ذات العماد بناها شداد ابن عاد، قال:

فحدثني حديثها، فقال: لما أراد شداد بن عاد عملها أمر عليها مائة قهرمان مع كل قهرمان ألف

<<  <  ج: ص:  >  >>