للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله لا يريد من الإنسان إلا الطاعة التي تنفعه في الآخرة، فإنه يراقب أحواله ويجازيه بأعماله خيرا وشرا في الآخرة، فأما الإنسان فلا يريد إلا الدنيا ولذاتها فإن وجد الراحة في الدنيا يقول: ربي أكرمني، وإن لم يجدها يقول: ربي أهانني وأما هنا لمجرد التأكيد لا لتفصيل المجمل مع التأكيد، و «الإنسان» مبتدأ خبره «فيقول» والظرف وهو «إذا» منصوب بالخبر لأن الظرف في نية التأخير ودخول الفاء في الخبر لما في أما من معنى الشرط، وما زائدة، والفاء في قوله تعالى:

فَأَكْرَمَهُ تفسيرية، والوقف في «أكرمن» مفهوم وفي «أهانن» حسن. وقال أبو عمرو والوقف فيهما كاف، وقيل: تام، وقال الكلبي: إن المراد من الإنسان أبي بن خلف، وقال مقاتل، وابن جرير: نزلت هذه الآية في أمية بن خلف وروي عن ابن عباس أن المراد بالإنسان عتبة بن ربيعة، وأبو حذيفة بن المغيرة، وقيل: إنه كافر جاحد ليوم الجزاء.

وقرأ نافع «أكرمن» و «أهانن» بإثبات الياء فيهما وصلا وحذفها وقفا، وقرأهما البزي عن ابن كثير بإثباتها في الحالين، وعن أبي عمرو: إن الحذف في الوصل أعدل، والباقون بالحذف في الحالين، وقرأ ابن عامر «فقدر عليه رزقه» بتشديد الدال أي جعله على مقدار البلغة كَلَّا رد على من ظن ذلك المذكور، والمعنى: ليس إكرامي بالمال والغنى، بالفقر، وقلة المال، ولكن إكرامي بالمعرفة والتوفيق وإهانتي بالنكرة والخذلان، والوقف هنا حسن وهو أحسن من الوقف على «أهانن» ، بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) أي قل يا محمد لهم: بل لكم أحوال أشد شرا من ذلك القول، وهو أن الله تعالى يكرمكم بكثرة المال فلا تؤدون ما يلزمكم فيه، فإنكم لا تحسنون إلى اليتيم ولا تعرفون حقه، وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (١٨) بحذف إحدى التاءين، وهو قراءة الكوفيين أي لا يحض بعضكم بعضا على إطعام المسكين، وقرئ «ولا تحضوا» أي لا تأمرون بإطعامه، وفي قراءة ابن مسعود «ولا تحاضون» بضم التاء أي لا يحض كل واحد منكم صاحبه، وهذا إشارة إلى ترك بر اليتيم. وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا (١٩) أي وتأكلون تراث اليتامى أكلا جامعا فإنكم تجمعون نصيبهم إلى نصيبكم، وهذا إشارة إلى دفع اليتيم عن حقه الثابت له في الميراث، وأكل ماله. وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠) أي كثيرا وهذا إشارة إلى أخذ مال اليتيم منه، وقرأ أبو عمرو يكرمون وما بعده بالياء التحتية

كَلَّا أي لا ينبغي أن يكون الأمر هكذا في الحرص على الدنيا حتى إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١) أي إذا انكسر كل شيء على وجه الأرض من جبل، وشجر، وبناء حين زلزلت فلم يبق على ظهرها شيء حتى صارت ملساء، وَجاءَ رَبُّكَ أي جاء ظهوره وقهره أي حصل تجليه تعالى على الخلائق أي زالت الشبهة، وارتفعت الشكوك وظهر سلطان قهره، وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢) أي وتنزل ملائكة كل سماء فيصطفون صفا بعد صف بحسب مراتبهم محدقين بالجن والإنس فيكونون سبعة صفوف، وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ مزمومة بسبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>