للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعتزلة حيث قالوا: لا يحسن من الله تعالى خلق الكفر وتزيينه ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ بالبعث بعد الموت فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٠٨) في الدنيا على الاستمرار من السيئات المزينة لهم فأعمال الكفرة قد برزت لهم في هذه النشأة بصورة مزينة يستحسنها الغواة ويستحبها الطغاة، وستظهر في النشأة الآخرة بصورتها الحقيقية المنكرة الهائلة فعند ذلك يعرفون أن أعمالهم ماذا.

فعبر عن إظهارها بصورها الحقيقية بالإخبار بها لما أن كلا منهما سبب للعلم بحقيقتها كما هي وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ أي قسم كفار مكة بالله غاية أيمانهم لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ أي معجزة كما طلبوا لَيُؤْمِنُنَّ بِها أي قالوا لسيدنا رسول الله: إن هذا القرآن كان أمره فليس من جنس المعجزات ألبتة، ولو أنك يا محمد جئتنا بمعجزة قاهرة لآمنا بك وحلفوا على ذلك.

وقال محمد بن كعب القرظي: قالت قريش: يا محمد إنك تخبرنا أن موسى ضرب الحجر بالعصا فانفجر الماء وأن عيسى أحيا الميت وأن صالحا أخرج الناقة من الجبل فأتنا بآية لنصدقك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما الذي تحبون؟» فقالوا: أن تجعل لنا الصفا ذهبا، وحلفوا لئن فعل ليتبعونه أجمعون فقام صلّى الله عليه وسلّم يدعو فجاءه جبريل فقال: إن شئت كان ذلك ولئن كان فلم يصدقوك ليعذبهم الله، وإن تركتهم تاب الله على بعضهم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بل يتوب على بعضهم» فأنزل الله تعالى هذه الآية

قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ أي إنه تعالى هو مختص بالقدرة على أمثال هذه الآيات دون غيره وَما يُشْعِرُكُمْ أي أيّ شيء يعلمكم أيها المؤمنون بإيمانهم أي لا تعلمون ذلك أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٩) .

قرأ ابن كثير وأبو عمرو «إنها» بكسر الهمزة على الاستئناف. والباقون بالفتح فهي بمعنى لعل ويقوي هذا الوجه قراءة أبي لعلها إذا جاءتهم لا يؤمنون وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ أي وما يشعركم أنا نقلب أفئدتهم عن إدراك الحق فلا يفهمونه ونقلب أبصارهم عن اجتلاء الحق فلا يبصرونه كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أي بما جاء صلّى الله عليه وسلّم من الآيات أَوَّلَ مَرَّةٍ أي فلا يؤمنون عند نزول مقترحهم لو نزل كما لم يؤمنوا عند نزول الآيات السابقة على اقتراحهم كانشقاق القمر وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠) أي نتركهم في ضلالهم متحيرين لا نهديهم هداية المؤمنين

وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ كما طلبوا فشهدوا على ما أنكروا وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى من القبور كما طلبوا بأن محمدا رسول الله والقرآن كلام الله وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا. قرأ عاصم وحمزة الكسائي بضمتين أي وجمعنا على المستهزئين زيادة على ما اقترحوه كل شيء من أصناف المخلوقات


والنار، والترمذي في كتاب الجنّة، باب: ٢١، والنسائي في كتاب الأيمان، باب: الحلف بعزة الله تعالى، والدارمي في كتاب الرقاق، باب: في نفس جهنم، وأحمد في (م ٢/ ص ٢٦٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>