للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأديان اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا أي تركوا آيات الله الآمرة بالاستقامة في كل أمر وأخذوا بدلها شيئا يسيرا من الدنيا لأجل تحصيل الشهوات، وذلك أن أبا سفيان بن حرب أطعم حلفاءه وترك حلفاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وحملتهم تلك الأكلة على نقض العهد فنقضوا العهد الذي كان بينهم بسبب تلك الأكلة فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ أي عن دينه أو عن سبيل البيت الحرام حيث كانوا يصدون الحجاج والعمار عنه إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩) أي ساءهم الذي كانوا يعملونه ما مضى من صدهم عن سبيل الله وما معه لا يَرْقُبُونَ أي لا يحفظون فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا أي قرابة وَلا ذِمَّةً كرر ذلك مع إبدال الضمير ب «مؤمن» ، لأن الأول وقع جوابا لقوله تعالى: وَإِنْ يَظْهَرُوا، والثاني وقع خبرا عن تقبيح حالهم، أو هذا خاص بالذين اشتروا والذين جمعهم أبو سفيان وأطعمهم وأشباههم من اليهود وغيرهم. وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (١٠) أي المجاوزون في الظلم والشرارة

فَإِنْ تابُوا من مساوي أعمالهم وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ أي أقروا بحكمهما وعزموا على إقامتهما فَإِخْوانُكُمْ أي فهم إخوانكم فِي الدِّينِ أي لهم ما لكم وعليهم ما عليكم، فعاملوهم معاملة الإخوان وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١١) أي نبين الآيات لقوم يعلمون ما فيها من الأحكام وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ أي عهودهم التي بينكم وبينهم مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ أي لا يقاتلوكم ولا يظاهروا عليكم أحدا من أعدائكم وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ أي عابوا دينكم بالتكذيب وتقبيح الأحكام فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ أي قاتلوا الكفار بأسرهم فإنهم صاروا بذلك ذوي تقدم في الكفر، أحقاء بالقتل والقتال إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ أي إنهم لا عهود لهم على الحقيقة لأنهم لا يعدون نقضها محذورا وهم لما لم يفوا بها صارت أيمانهم كأنها ليست بأيمان وإن أجروها على ألسنتهم.

وقرأ ابن عامر «لا إيمان لهم» بكسر الهمزة أي لا تعطوهم أمانا بعد ذلك أبدا، فيكون «الإيمان» مصدرا بمعنى إعطاء الأمان، فهو ضد الإخافة لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (١٢) أي ليكن غرضكم في مقاتلتهم سببا في انتهائهم عمّا هم عليه من الكفر والطعن في دينكم والمعاونة عليكم أَلا أي هلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ بعد عهد الحديبية بإعانة بني بكر على خزاعة وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ أي بإخراجه من مكة لكن لم يخرجوه بل خرج باختياره بإذن الله في الهجرة، أو من المدينة لقصد قتله وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بالقتال يوم بدر لأنهم حين سلم العير قالوا: لا ننصرف حتى نستأصل محمدا ومن معه، أو بدءوا بقتال خزاعة حلفاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأن إعانة بني بكر عليهم بالسلاح قتال معهم، فالإعانة على القتال تسمى قتالا.

أَتَخْشَوْنَهُمْ أي أتخافون أيها المؤمنون أن ينالكم منهم مكروه حتى تتركوا قتالهم؟ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ في ترك أمره إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣) . ودلت هذه الآية على أن المؤمن ينبغي أن يخشى ربه وأن لا يخشى أحدا سواه قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ بالقتل تارة، والأسر،

<<  <  ج: ص:  >  >>