للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلافته فلم يقبلها، فلما ولي عثمان أتاه بها فلم يقبلها، وهلك ثعلبة في خلافة عثمان وإنما امتنع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أخذ تلك الصدقة لأن المقصود من

الأخذ غير حاصل في ثعلبة مع نفاقه لقوله تعالى:

خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها [التوبة: ١٠٣] أَلَمْ يَعْلَمُوا أي المنافقون أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وهو ما تنطوي عليه صدورهم وَنَجْواهُمْ وهو ما يفاوض به بعضهم بعضا فيما بينهم وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (٧٨) أي ما غاب عن الخلق الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ أي ويطعنون على الذين لا يجدون إلا طاقتهم فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ أي ويهزئون بالفريق الأخير بقلة الصدقة سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وهذه الجملة خبر للموصول.

وقال الأصم: أي قبل الله من هؤلاء المنافقين ما أظهروه من أعمال البر مع أنه لا يثيبهم عليها فكان ذلك كالسخرية.

وقال ابن عباس: فتح الله لهم في الآخرة بابا إلى الجنة وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٩) . قال ابن عباس: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطبهم ذات يوم وحث على أن يجمعوا الصدقات، فجاءه عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم وجاء عمر بنحو ذلك، وجاء عاصم بن عدي الأنصاري بسبعين وسقا من تمر، وجاء عثمان بن عفان بصدقة عظيمة، وجاء أبو عقيل عبد الرحمن بن تيحان بصاع من تمر فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بوضعه في الصدقات. فقال المنافقون على وجه الطعن: ما جاءوا بصدقاتهم إلا رياء وسمعة، وأما أبو عقيل فإنما جاء بصاع ليذكر مع سائر الأكابر والله غني من صاعه فأنزل الله تعالى هذه الآية اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ.

روي أنه لما نزلت الآيات المتقدمة في المنافقين وظهر نفاقهم للمؤمنين جاءوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعتذرون وقالوا: يا رسول الله استغفر لنا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سأستغفر لكم» واشتغل بالاستغفار لهم، فنزلت هذه الآية، فترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الاستغفار

. وهذا الأمر تخيير له صلّى الله عليه وسلّم في الاستغفار وتركه، ومعناه إخبار باستواء الأمرين أي إن شئت فاستغفر لهم، وإن شئت فلا تستغفر لهم فاستغفارك لهم وعدمه سواء إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ وقد شاع استعمال السبعة، والسبعين والسبعمائة في التكبير لاشتمال السبعة على جملة أقسام العدد فكأنها العدد بأسره فإن عدة مراتبه سبعة آحاد، عشرات مئين، آحاد ألوف، عشرات ألوف، مئين ألوف، آحاد ألوف، الألوف والسبعون عند العرب غاية مستقصاة لأنه عبارة عن جمع السبعة عشر مرات، والسبعة عدد شريف لأن عدد السموات والأرض، والبحار، والأقاليم، والنجوم، والأيام، والأعضاء هو هذا العدد ذلِكَ أي امتناع المغفرة لهم ولو بعد المبالغة في الاستغفار بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ أي بسبب كفرهم لا لعدم الاعتداد بالاستغفار وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٨٠) أي فإن تجاوزهم عن الحدود مانع من الهداية

فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ أي الذين تركهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بِمَقْعَدِهِمْ أي في المدينة خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>