للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما سواه تعالى. والمراد من الوادي المقدس: طهارة عزة الله تعالى وجلاله. والمعنى: إنك لما وصلت إلى بحر المعرفة، فلا تلتفت إلى المخلوقات اه. ويقال: معنى طوى قد طوته الأنبياء قبلك.

قال ابن عباس: إنه عليه السلام مرّ بذلك الوادي ليلا فطواه، فكان المعنى: أنك بالوادي المقدس الذي طويته طيا، أي جاوزته حتى ارتفعت إلى أعلاه وعلى هذا إن «طوى» مصدر خرج عن لفظه. وَأَنَا اخْتَرْتُكَ للرسالة والكلام الذي خصصتك به.

وقرأ حمزة: «وأنا اخترناك» بنون العظمة، وبتشديد النون من «أنا» ، وبفتح الهمزة والكسر. وقرأ أبي بن كعب: «إني اخترتك» فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (١٣) أي فاستمع

للذي يوحي إليك مني. وقوله تعالى: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ يفيد نهاية اللطف والرحمة. وقوله تعالى: فَاسْتَمِعْ يفيد نهاية الهيبة، فكأنه تعالى قال: لقد جاءك أمر عظيم، هائل، فتأهب له، واجعل كل خاطرك مصروفا إليه. فأرسله الله تعالى في ذلك الوقت، في ذلك المكان، وكان عمره حينئذ أربعين سنة إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ بدل مما يوحى، لا إِلهَ إِلَّا أَنَا وهذا إشارة للعقائد العقلية، فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (١٤) إي لتذكرني في الصلاة لاشتمالها على كلامي، أو لذكري إياك بالمدح والثناء، أو لإخلاص ذكري لا تقصد بالصلاة غرضا آخر. وهذا إشارة للأعمال الفرعية. إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أي كائنة لا بد، أَكادُ أُخْفِيها، أي أكاد أظهرها، أي قرب إظهارها.

ويؤيده قراءة فتح الهمزة أو المعنى، أكاد أزيل عنها إخفاءها لأن أفعل قد يأتي بمعنى السلب، كقولك أشكلت الكتاب، أي أزلت إشكاله، وهذا إشارة إلى العقائد السمعية، وهذه الثلاثة جملة الدين. فإن أصول هذا الباب ترجع إلى ثلاثة: علم المبدأ، وعلم الوسط، وعلم المعاد. فعلم المبدأ، هو معرفة الله تعالى، وهو المراد بقوله تعالى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا وعلم الوسط، هو علم العبودية، فقوله تعالى: فَاعْبُدْنِي إشارة إلى الأعمال الجسمانية وقوله: لِذِكْرِي، بمعنى لتكون ذاكرا لي غير ناس، إشارة إلى الأعمال الروحانية، فالعبودية أولها الأعمال الجسمانية، وآخرها الأعمال الروحانية، وعلم المعاد هو قوله تعالى: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها. لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ برة أو فاجرة بِما تَسْعى (١٥) أي بما تعمل من خير أو شر فقوله: لِتُجْزى متعلق ب «آتية» أو ب «أخفيها» . فَلا يَصُدَّنَّكَ أي فلا يصرفنّك يا موسى عَنْها، أي عن ذكر الساعة، مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ أي ميل نفسه إلى إنكار الساعة، فإن منكر البعث إنما أنكره اتباعا للهوى لا للدليل، فَتَرْدى (١٦) أي فتهلك بالنار. فالله تعالى راعى هذا الترتيب الحسن في هذا الباب، لأنه قال لموسى أولا فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ وهو إشارة إلى الأمر، بتطهير السر عما سوى الله تعالى، ثم أمره بتحصيل ما يجب تحصيله من التكاليف، وافتتحها بمحض اللطف، وهو قوله تعالى: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ واختتمها بمحض القهر وهو قوله تعالى: فَلا

<<  <  ج: ص:  >  >>