للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انحصاره في القادر، فهذا نعت لكبيرهم، أو بدل منه. وقيل: هو خبر «لكبيرهم» ، وتم الكلام عند قوله: بَلْ فَعَلَهُ، وفاعل الفعل محذوف، أي فعله من فعله.

ويروى عن الكسائي أنه كان يقف عند قوله: بَلْ فَعَلَهُ، ثم يستبدي كَبِيرُهُمْ هذا.

وقرأ محمد بن السميفع: «فعله كبيرهم» بتشديد اللام أي فلعل الفاعل كبيرهم هذا، فَسْئَلُوهُمْ، أي الأصنام عن كاسرهم، إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ (٦٣) حتى يخبروكم من كسرهم، وجواب الشرط هو ما قبله، وهذا مرتبط بقوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ فيكون إسناد الفعل إلى كبيرهم مشروطا بكونهم ناطقين، فلما لم يكونوا ناطقين، امتنع أن يكون الكبير فاعلا.

والمعنى: بل فعله كبيرهم هذا إن كانوا ينطقون، فاسألوهم. وهذه التأويلات لنفي كذب سيدنا إبراهيم. والأولى هو الأول، فإن التعريض لا يسمى كذبا. وأيضا يجوز أن يكون الله تعالى قد أذن له في ذلك الكلام لقصد الصلاح، وتوبيخهم، والاحتجاج عليهم، كما أذن ليوسف عليه السلام، حين نادى مناديه فقال: أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ [يوسف: ٧٠] ولم يكونوا سرقوا فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ، بالتفكر فلاموها، فَقالُوا أي قال بعضهم لبعض فيما بينهم، أو قال لهم ملكهم نمروذ: إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (٦٤) ، بعبادة الأصنام، لا من كسرها ومن قلتم في حقه أنه لمن الظالمين، فإنهم علموا بعد التفكر أن عبادة الأصنام باطلة، وأنهم على غرور في ذلك، أو أنتم الظالمون لأنفسكم، حيث سألتم من إبراهيم عن كاسر الأصنام، حتى أخذ يستهزئ بكم في الجواب ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ أي انقلبوا عن الفكرة الصالحة إلى الحالة الأولى، فأخذوا في المجادلة بالباطل قائلين: والله لَقَدْ عَلِمْتَ يا إبراهيم، ما هؤُلاءِ الأصنام، يَنْطِقُونَ (٦٥) أي لقد علمت أنه ليس من شأنهم النطق، فكيف تأمرنا بسؤالهم.

وقرئ «نكّسوا» بالتشديد، و «نكسوا» بالبناء للفاعل، أي نكّسوا أنفسهم على رؤوسهم، وهي قراءة رضوان بن المعبود، قالَ إبراهيم مبكّتا لهم: أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أي أتعلمون ذلك فتعبدون متجاوزين عبادة الله تعالى، ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً، أي نفعا قليلا وَلا يَضُرُّكُمْ (٦٦) أُفٍّ لَكُمْ أي قذرا وقبحا لكم وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي غيره، واللام لبيان المتضجّر لأجله، وعائد الموصول محذوف، وهذا تضجّر من سيدنا إبراهيم من إصرارهم على الباطل البيّن. أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٧) . أي ألا تتفكرون، فلا تعقلون قبح صنيعكم من عبادة ما لا يضر في ترك عبادته، ولا ينفع في عبادته. قالُوا أي قال بعضهم لبعض لما عجزوا عن المجادلة وضاقت عليهم الحيل، والقائل لهم ملكهم نمروذ بن كنعان، وقيل القائل رجل من أكراد فارس اسمه هينون، خسف الله به الأرض، حَرِّقُوهُ أي إبراهيم بالنار وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ أي انتقموا منه لآلهتكم إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٦٨) ، لنصرتها فاختاروا أشد العقوبات وهي الإحراق.

<<  <  ج: ص:  >  >>