للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسلم عطف على قوله: آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ، وآتينا لوطا. وَعِلْماً لائقا به وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ أي من أهل قرية سذوم. الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ، أي التي كان أهلها قبل إنجائنا له منها، يعملون الأعمال الخبائث من اللواط، ورمي المارة بالبندق، واللعب بالطيور، والتضارط في أنديتهم، وغير ذلك. إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ أي قوما يحزنون الناس بأفعالهم، فاسِقِينَ (٧٤) أي خارجين من كل خير وَأَدْخَلْناهُ أي لوطا فِي رَحْمَتِنا، بأن فتحت عليه أبواب المكاشفات، وتجلّت له أنوار الإلهية، إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) أي من المستعدّين لقبول ذلك وللدخول فيه. وَنُوحاً عطف على قوله: ولوطا وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً إِذْ نادى، أي دعا على قومه بالعذاب، بدل اشتمال من نوحا مِنْ قَبْلُ أي من قبل هؤلاء المذكورين، فَاسْتَجَبْنا لَهُ الدعاء، فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ، أي أهل دينه مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وهو الغرق وأذية قومه. وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ، أي عصمناه من مكروه القوم كما قاله المبرد. وقال أبو عبيدة: من بمعنى على، كقراءة أبيّ ابن كعب ونصرناه على القوم، الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا، الدالة على رسالته عليه السلام إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ لأجل تكذيبهم له، فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٧٧) بالطوفان لإصرارهم على تكذيب الحق، ولانهماكهم في الشرّ وهذا بيان للوجه الذي خلّصه الله منهم به. وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ أي آتيناهما حكما إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ أي في حق الزرع، إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ أي انتشرت في الزرع غنم القوم في الليل ترعى بلا راع، وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ أي داود وسليمان شاهِدِينَ (٧٨) أي إنما حكما بإرشادنا لهما وأوقع الجمع موقع التثنية مجازا، ويدل على ذلك قراءة ابن عباس لحكمهما بصيغة التثنية.

فَفَهَّمْناها أي الفتيا سُلَيْمانَ وَكُلًّا أي كل واحد منهما، آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً، كثيرا.

روي أنه دخل على داود عليه السلام، رجلان فقال أحدهما: إن غنم هذا دخلت في حرثي ليلا فأفسدته، وما أبقت منه شيئا. فقال داود عليه السلام: اذهب فإن الغنم لك. وقد روي أنه لم يكن بين قيمة الحرث، وقيمة الغنم تفاوت، فخرجا، فمرا على سليمان عليه السلام، وهو ابن إحدى عشرة سنة، فقال: كيف قضي بينكما؟ فأخبراه بذلك، فقال: لو كنت أنا القاضي لقضيت بغير هذا وهو أرفق بالفريقين، فأخبرا بذلك داود عليه السلام، فدعاه وقال: كيف تقضي بينهما؟

فقال: ادفع الغنم إلى صاحب الحرث، فيكون له منافعها من الدّر، والنسل، والصواف، وأدفع الحرث إلى أرباب الغنم ليقوموا عليه حتى يعود كهيئته يوم أكل، ثم دفعت الغنم إلى أهلها وقبض صاحب الحرث حرثه فقال داود: القضاء ما قضيت، وأمضى الحكم بذلك. ورأى داود قياس، كما أن العبد إذا جنى على النفس، يدفعه المولى إلى المجني عليه، أو يفديه عند أبي حنيفة ببيعه في ذلك، أو يفديه عند الشافعي. ورأى سليمان استحسان كما قال أصحاب الشافعي، فيمن غصب عبدا فأبق منه، أنه يضمن القيمة فينتفع بها المغصوب منه، بإزاء ما فوّته الغاصب من منافع

<<  <  ج: ص:  >  >>