للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى، هو الذي أذهب عقولهم وطيّر تمييزهم. وَمِنَ النَّاسِ، أي وبعض الناس، كالنضر بن الحرث، وأبي جهل، وأبيّ بن خلف، مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ، أي في دين الله وكتابه وقدرته، بِغَيْرِ عِلْمٍ أي ملتبسا بغير علم، فإنهم ينكرون البعث، وقالوا: إن الله لا يقدر على إحياء من صار ترابا، ويكذّبون القرآن ويقولون: ما يأتيكم به محمد، كما كنت أحدثكم به عن القرون الماضية، فهو أساطير الأولين. وَيَتَّبِعُ في جداله، كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (٣) أي عات متجرد للفساد، والمراد: إما شياطين الإنس، وهم رؤساء الكفار الذين يدعون من دونهم إلى الكفر، وإما إبليس وجنوده. كُتِبَ عَلَيْهِ مبني للمفعول صفة ثانية، أي قد كتب على الشيطان في أمّ الكتاب لظهور ذلك من حاله، أَنَّهُ أي الشأن، مَنْ تَوَلَّاهُ أي من اتخذه وليا وأطاعه، فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ، بفتح الهمزة على أنه خبر مبتدأ محذوف. أي من يقبل الشيطان بقوله فشأنه أن الشيطان يضلّه عن طريق الجنة. وَيَهْدِيهِ أي يدعوه إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٤) أي إلى ما يؤدي إلى عذاب النار الوقود، من السيئات. يا أَيُّهَا النَّاسُ أي أهل مكة، إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فانظروا إلى مبدأ خلقكم ليزول ريبكم، فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ، أي خلقنا كلّ فرد منكم، مِنْ تُرابٍ، لأن المني ودم الطمث، يتولدان من الأغذية وهي من النبات، وهو يتولّد من الأرض والماء، ثُمَّ خلقناكم، مِنْ نُطْفَةٍ، أي مني ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ أي دم جامد، ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ أي لحمة صغيرة قدر ما يمضغ، مُخَلَّقَةٍ، أي تامة الصور، والحواس، والتخاطيط، وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ أي وناقصة في هذه الأمور. لِنُبَيِّنَ لَكُمْ، أي أخبرناكم في القرآن، بدء خلقكم لنبيّن لكم ما يزيل عنكم ذلك الريب في أمر بعثكم، فإن القادر على هذه الأشياء، كيف يكون عاجزا عن الإعادة وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى، أي ونحن نقر بعد ذلك في الأرحام ما نشاء أن نقره فيها من الولد إلى وقت الوضع. ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ من بطون أمهاتكم بعد إقراركم فيها، عند تمام الوقت المقدر بالإرادة القديمة والحكمة الأزلية، طِفْلًا أي حال كونكم صغارا، ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ، أي ثم نسهل في تربيتكم أمورا لتبلغوا كما لكم في القوة والعقل والتمييز، وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى على كماله في ذلك، وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ أي إلى أخسه، وهو الهرم والخرف. لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً أي ليعود كهيئته الأولى في أوان الطفولية من ضعف البدن، وسخافة العقل، وقلة الفهم، فينسى ما علمه، وينكر ما عرفه، ويعجز عما قدّر عليه. وَتَرَى أيها المجادل الْأَرْضَ هامِدَةً أي يابسة خالية من النبات، فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ أي ماء المطر والعيون، والأنهار، اهْتَزَّتْ أي تحرّكت في رأي العين بسبب حركة النبات، وَرَبَتْ أي انتفخت للنبات، وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥) أي وأخرجت بالماء كل نوع من أنواع النبات حسن، يسّر ناظره. ذلِكَ، أي الصنع البديع في الإنسان، والأرض حاصل بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ

الْحَقُ

أي الموجود الثابت، المتحقق في

<<  <  ج: ص:  >  >>