للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالاستغاثة في كشف العذاب عنهم لشدة ما هم عليه ويقال لهم على وجه التبكيت: لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ أي لا تلتجئوا اليوم إلينا إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ (٦٥) أي لأنه لا يلحقكم من جهتنا نصرة تنجيكم مما نزل بكم قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦) أي فكنتم تعرضون عن تلك الآيات، وتنفرون عمن يتلوها وهذا مثل يضرب فيمن تباعد عن الحق كل التباعد.

وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه على أدباركم بدل على أعقابكم مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً فالجار والمجرور متعلق بقوله: مُسْتَكْبِرِينَ والباء سببية، والضمير يعود إلى الحرم أي متعظمين بالحرم أو متعلق ب «سامرا» والباء بمعنى في، والضمير يعود إلى البيت الحرام أي ساهرين في الليل المظلم يتحدثون حول البيت العتيق والذي يسوغ هذا الإضمار شهرتهم بالاستكبار بالبيت، ويجوز أن يكون متعلقا ب «تهجرون» والضمير يعود إلى القرآن تَهْجُرُونَ (٦٧) .

قرأ نافع وابن محيصن بضم التاء وكسر الجيم، أي تسبون القرآن وتسمونه سحرا وشعرا.

والباقون بفتح التاء وضم الجيم أي تتركون القرآن، وتعرضون عنه وكانوا يجتمعون حول الكعبة في الليل يتحدثون، وكان أكثر حديثهم ذكر القرآن والطعن فيه وتسميته سحرا وشعرا وسب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وكانوا يقولون: لا يعلو علينا أحد لأنا أهل الحرم وقوله: مُسْتَكْبِرِينَ وقوله: سامِراً وقوله: تَهْجُرُونَ أحوال من الواو في «تنكصون» ، أو في كل واحدة حال من ضمير ما قبلها و «سامرا» ، اسم جمع كحاج وراكب وحاضر وغائب فالكل يطلق على الجمع أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ أي أفعلوا ما فعلوا من النكوص والاستكبار، والهجر، فلم يتدبروا القرآن ليعرفوا بما فيه من إعجاز النظم والإخبار بالغيب أنه الحق من ربهم، بل أجاءهم من الكتاب وبعثة الرسل ما لم يأت آباءهم الأولين كإسماعيل عليه السلام وأعقابه من عدنان وقحطان، ومضر، وربيعة، وقس، والحرث بن كعب، وأسد بن خزيمة، وتميم بن مرة، وتبع وضبة بن أد فكلهم آمنوا بالله تعالى وكتبه ورسله.

فإن مجيء الكتب من الله تعالى إلى الرسل عادة قديمة له تعالى، وإن مجيء القرآن على طريقته، فمن أين ينكرونه! بل ألم يعرفوا رسولهم محمد صلّى الله عليه وسلّم

بالأمانة والصدق، وحسن الأخلاق، وكمال العلم مع عدم التعلم من أحد وغير ذلك مما حازه من الكمالات اللائقة بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام؟ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩) أي فهم جاحدون برسالة رسولهم، أي أنهم عرفوا منه صلّى الله عليه وسلّم قبل ادعاء الرسالة كونه في غاية الفرار من الكذب، فكيف كذبوه بعد اتفاق كلمتهم على تسميته صلّى الله عليه وسلّم بالأمين أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ أي بل أيقولون في رسولهم جنون ويقولون: إنما حمله على ادعائه الرسالة جنونه، مع أنه أرجح الناس عقلا وأوفرهم رزانة بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ أي جاءهم رسولهم

<<  <  ج: ص:  >  >>