للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطير أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ بالسكين ليعتبر به أبناء جنسه، أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١) أي إلا أن يأتيني بحجة تبيّن عذره فلا أذبح ولا أعذب، ثم دعا العقاب وهو أشد الطير طيرانا فقال له: علي بالهدهد الساعة، فارتفع العقاب في الهواء، فالتفت يمينا وشمالا فرأى الهدهد من نحو اليمن، فانقض العقاب نحوه يريده، وعلم الهدهد أن العقاب يقصده بسوء فقال: بحق الله الذي قواك وأقدرك علي إلا ما رحمتني ولم تتعرض لي بسوء، فتركه العقاب وقال له: ويلك إن نبي الله قد حلف أن يعذبك، أو يذبحك، فطارا متوجهين نحو سليمان، فلما انتهى إلى العسكر تلقاه النسر والطير فقالوا له: ويلك أين غبت في يومك هذا؟ فلقد توعدك نبي الله. وأخبروه بما قال سليمان.

فقال الهدهد: أو ما استثنى نبي الله فقالوا: بلى إنه قال: أو ليأتيني بسلطان مبين فقال: نجوت إذا ثم طار العقاب والهدهد حتى أتيا سليمان وكان قاعدا على كرسيه. فقال العقاب: قد أتيتك به يا نبي الله. فَمَكَثَ أي الهدهد غَيْرَ بَعِيدٍ أي زمانا غير طويل حتى جاءه.

وقرأ عاصم بفتح الكاف. والباقون بضمها. فلما قرب منه الهدهد رفع رأسه وأرخى ذنبه وجناحيه يجرهما تواضعا لسليمان فلما دنا منه أخذ برأسه فمده إليه وقال له: أن كنت لأعذبنك عذابا شديدا؟ فقال: يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله تعالى. فلما سمع سليمان ذلك ارتعد وعفا عنه، ثم سأله فقال: ما الذي أبطأك عني؟ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ أي علمت ما لم تعلم أيها الملك، وبلغت إلى ما لم تبلغ، وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ.

وقرأ أبو عمرو والبزي بفتح الهمزة من غير تنوين، يراد به القبيلة والمدينة والأصل اسم للقبيلة، ثم سميت مدينة مأرب بسبإ، وبينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام. والباقون بالجر والتنوين اسم للحي سموا باسم أبيهم الأكبر وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وعن ابن كثير في رواية سبأ بالألف بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢) أي بخبر حق عجيب. إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ يقال لها: بلقيس بكسر الباء وهي بنت شراحيل بن مالك بن الريان. وأمها فارعة الجنية- كما أخرج عن زهير بن محمد- وكان أبوها ملك أرض اليمن كلها، وورث الملك من أربعين أبا، ولم يكن له ولد غيرها، وكان يقول لملوك الأطراف: ليس أحد منكم كفؤا لي وأبى أن يتزوج منهم، فزوجوه بامرأة من الجن يقال لها: ريحانة بنت السكن. قيل في سبب وصوله إلى الجن:

إنه كان كثير الصيد فربما اصطاد من الجن وهم على صور الظباء، فيخلي عنهم، فظهر له ملك الجن، وشكره على ذلك واتخذه صديقا، فخطب ابنته فزوجه إياها. وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يحتاج إليه الملوك وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) أي سرير حسن كبير، طوله ثمانون ذراعا، وعرضه أربعون ذارعا وارتفاعه ثلاثون ذراعا مصنوع من الذهب والفضة، مكلل بالجواهر، وكانت قوائمه من ياقوت أحمر وأخضر، ودر وزمرد، وعليه سبعة أبيات، على كل بيت باب مغلق وَجَدْتُها وَقَوْمَها أي لقيتهم مجوسا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي يعبدون الشمس

<<  <  ج: ص:  >  >>