للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تشركوا به شيئا فقوله: اعْبُدُوا اللَّهَ إشارة إلى إثبات الإله الواحد. وقوله: وَاتَّقُوهُ إشارة إلى نفي عيره وأيضا ف «اعبدوا الله» إشارة إلى الإتيان بالواجبات فيدخل فيه الاعتراف بالله، واتقوه إشارة إلى الامتناع عن المحرمات، فيدخل فيه الامتناع من الشرك ذلِكُمْ أي عبادة الله وتقواه خَيْرٌ لَكُمْ عقلا واعتبارا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٦) الدلائل والاعتبارات، فإن ضد عبادة الله تعطيل، وضد تقواه تشريك، وكلاهما شر عقلا واعتبارا أما عقلا: فلأن الممكن لا بد له من مؤثر واجب الوجود، ثم إن شريك الواجب إن لم يكن واجب الوجود فكيف يكون شريكا، وإن كان كذلك لزم وجود واجبين فيشتركان في الوجوب ويختلفان في الإلهية، وما به الاشتراك غير ما به الامتياز، فيلزم التركيب فيهما فلا يكونان واجبين لكونهما مركبين، فيلزم التعطيل. وأما اعتبارا: فلأن الشرف إما أن يكون ملكا أو قريب ملك، فالإنسان لا يكون ملكا للسموات والأرضين، فأعلى درجاته أن يكون قريب الملك فلا يكون قربه إلا بعبادة، فالمعطل لا ملك ولا قريب ملك لعدم اعتباره بوجود ملك فلا مرتبة له أصلا، ثم من يكون سيده لا نظير له يكون أعلا رتبة ممن يكون لسيده شركاء خسيسة، فإن من يقول: إن ربي لا يماثله شيء أعلى مرتبة ممن يقول: سيدي صنم منحوت. فثبت أن عبادة الله وتقواه خير للناس. إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً أي أحجارا لا تستحق العبادة. وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً أي وتكذبون كذبا حيث تسمونها آلهة، وتدعون أنها شفعاؤكم.

وقرئ «تخلقون» بتشديد اللام للتكثير في الخلق الذي بمعنى الكذب. وقرئ «تخلقون» بحذف إحدى التاءين من «تخلق» بمعنى: تكذب. وذكر سيدنا إبراهيم بطلان مذهبهم بأبلغ الوجوه، وذلك لأن المعبود إنما يعبد لأحد أمور أربعة:

إما لكونه مستحقا للعبادة بذاته كالعبد يخدم سيده الذي اشتراه.

وإما لكونه نافعا في الحال كمن يخدم غيره لخير يوصله إليه كالمستخدم بأجرة.

وإما لكونه نافعا في المستقبل كمن يخدم غيره راجيا منه أمرا في المستقبل.

وإما لكونه خائفا منه.

إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الأوثان لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً أي لا يقدرون على أن يرزقوكم شيئا من الرزق، فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ أي فاطلبوا من الله تعالى كل الرزق وَاعْبُدُوهُ لكونه مستحقا للعبادة لذاته، وَاشْكُرُوا لَهُ لكونه سابق النعم بالخلق ومعطي النعم بالرزق إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١٧) فيرجى الخير منه لا من غيره. وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ أي وإن تكذبوني فيما أخبرتكم به من أنكم إليه تعالى ترجعون بالبعث فلا تضرونني بتكذيبكم، فإن من قبلكم من الأمم قد كذبوا من قبلي من الرسل- وهم شيث، وإدريس، ونوح عليهم السلام- فلم يضرهم تكذيبهم شيئا. وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٨) ، أي إلا ذكر

<<  <  ج: ص:  >  >>