للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ

، أي وإن استمروا على أن يكذبوك يا أشرف الخلق فيما بلغت إليهم من التوحيد والبعث، والحساب والجزاء وغير ذلك بعد ما أقمت عليهم الحجة فتأس بأولئك الرسل في المصابرة على ما أصابهم من قبل قومهم، وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤) في الآخرة، فيجازي المكذبين والصابرين. يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أي يا أهل مكة إن وعد الله بالبعث بعد الموت والجزاء ثابت من غير خلف فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا بأن يذهلكم التمتع بمتاعها، ويلهيكم التلهي بزخارفها عن الطاعة لله وعن تدارك ما يهمكم يوم حلول الميعاد، وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (٥) بفتح الغين، أي ولا يغرنكم سبب حلم الله وإمهاله المبالغ في الغرور- وهو الشيطان- بأن يمنيكم المغفرة مع الإصرار على المعاصي قائلا: اعملوا ما شئتم إن الله غفور يغفر الذنوب جميعا، فتعاطي الذنوب بهذا التمني مثل تناول السم اعتمادا على دفع الطبيعة. إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ عظيم، فإن عداوته عداوة قديمة لا تكاد تزول، فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا بمخالفتكم له في عقائدكم وأفعالكم، وكونوا على حذر منه في جميع أحوالكم، فإذا فعلتم فعلا فتنبهوا له، فإنه ربما يدخل عليكم فيه الرياء ويزين لكم القبائح، إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ أي أتباعه في الضلال لِيَكُونُوا أي تلك الأتباع مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (٦) ، أي النار الموقدة الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ في الدنيا بفوات مطلوبهم، وفي الآخرة بالسعير. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ من صلاة وزكاة وصوم وغير ذلك لَهُمْ مَغْفِرَةٌ أي ستر لذنوبهم في الدنيا وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) في الآخرة. أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً أي أبعد كون حالي الفريقين- كما ذكر- يكون من زين الكفر له الشيطان، ونفسه الأمارة، وهواه القبيح فرآه صوابا فانهمك فيه كمن عرف الحق فاختار الإيمان أو العمل الصالح؟! نزلت هذه الآية في أبي جهل ومشركي مكة، فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ أن يضله لاستحبابه الضلال، وصرف اختياره إليه فيرده أسفل سافلين، وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ أن يهديه بصرف اختياره إلى الهدى فيرفعه إلى أعلى عليين فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ أي فلا تهلك نفسك على عدم إيمانهم لكثرة التحزن.

وقرأ أبو جعفر، وقتادة، والأشهب بضم التاء وكسر اللام مسند الضمير المخاطب «نفسك» مفعول به إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (٨) من القبائح فيجازيهم عليه وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ.

وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي «الريح» بالتوحيد، أي أوجدها من العدم فهبوبها دليل ظاهر على الفاعل المختار، وذلك لأن الهواء قد يسكن وقد يتحرك، وعند حركته قد يتحرك إلى اليمين، وقد يتحرك إلى الشمال، وفي حركاته المختلفة قد ينشئ السحاب، وقد لا ينشئ، فهذه الاختلافات دليل على تسخير مدبر ومؤثر مقدر، فَتُثِيرُ سَحاباً أي فتحركه وترفعه فَسُقْناهُ أي السحاب إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ أي إلى مكان لا نبات فيه.

وقرأ نافع وحفص وحمزة والكسائي بتشديد الياء فَأَحْيَيْنا بِهِ أي بماء السحاب الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها أي بعد يبسها، وأسند الله تعالى الإرسال إلى الغائب والسوق والإحياء إلى المتكلم،

<<  <  ج: ص:  >  >>