للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَائِطِ الْمَسْجِدِ وَلِي عَلَيْهِ سلطانٌ لَضَرَبْتُ عُنُقَهُ، إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ يُثَبِّطُونَ عَنْ طَاعَةِ الْوُلاةِ، فَشَتَمَهُ وَالِدُهُ وَلَعَنَهُ وَقَالَ: أَلَمْ تَسْمَعِ الْقَوْمَ يَذْكُرُونَ عَنْهُ خَيْرًا، ثُمَّ تَقُولُ هَذَا؟ أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ رَأْيِي فِيكَ أَنَّكَ لا تَمُوتُ إِلا جَبَّارًا شَقِيًّا.

وَكَانَ أَبُو الْحَجَّاجِ فَاضِلا.

وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ: كَانَ الْحَجَّاجُ عَلَى مَكَّةَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بِوِلايَتِهِ عَلَى الْعِرَاقِ، فَخَرَجَ فِي نفرٍ ثَمَانِيَةٍ أَوْ تِسْعَةٍ عَلَى النَّجَائِبِ.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَوْذَبٍ: مَا رُؤِيَ مِثْلُ الْحَجَّاجِ لِمَنْ أَطَاعَهُ، وَلا مِثْلُهُ لِمَنْ عَصَاهُ.

وَرَوَى ابْنُ الْكَلْبِيِّ، عَنْ عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: سَمِعَ الْحَجَّاجُ تَكْبِيرًا فِي السُّوقِ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ صَعَدَ الْمِنْبَرَ وَقَالَ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ، وَأَهْلَ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ، وَمَسَاوِئِ الأَخْلاقِ، قَدْ سَمِعْتُ تَكْبِيرًا لَيْسَ بِالتَّكْبِيرِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ اللَّه فِي التَّرْهِيبِ، وَلَكِنَّهُ الَّذِي يُرَادُ التَّرْغِيبُ، إِنَّهَا عجاجةٌ تَحْتَهَا قصفٌ، أَيْ بَنِي اللَّكِيعَةِ، وَعَبِيدِ الْعَصَا، وَأَوْلَادِ الإِمَاءِ، أَلا يَرْقَأُ الرَّجُلُ مِنْكُمْ عَلَى ظَلْعِهِ، وَيُحْسِنُ حَمْلَ رَأْسِهِ، وَحَقْنَ دَمِهِ، وَيُبْصِرُ مَوْضِعَ قَدَمِهِ، وَاللَّهِ مَا أَرَى الأُمُورَ تَثْقُلُ بِي وَبِكُمْ حَتَّى أُوقِعَ بِكُمْ وَقْعَةً تَكُونُ نِكَالا لِمَا قَبْلَهَا، وَتَأْدِيبًا لِمَا بَعْدَهَا.

وَقَالَ سَيَّارٌ أَبُو الْحَكَمِ: سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: أَيُّهَا الرَّجُلُ، وَكُلُّكُمْ ذَلِكَ الرَّجُلُ، رَجُلٌ خَطَمَ نَفْسَهُ وَزَمَّهَا، فَقَادَهَا بِخِطَامِهَا إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَعَنَجَها بِزِمَامِهَا عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ.

وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ يَخْطُبُ فَقَالَ: امرؤٌ رَدَّ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ الْحِسَابُ إِلَى غَيْرِهِ، امْرُؤٌ نَظَرَ إِلَى مِيزَانِهِ، فَمَا زَالَ يَقُولُ امْرُؤٌ حَتَّى أَبْكَانِي.

وَعَنِ الْحَجَّاجِ قَالَ: امرؤٌ عَقَلَ عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ؛ امرؤٌ أَفَاقَ وَاسْتَفَاقَ وَأَبْغَضَ الْمَعَاصِي وَالنِّفَاقَ، وَكَانَ إِلَى مَا عِنْدَ اللَّهِ بِالأَشْوَاقِ.

وعن الحجاج أن خَطَبَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ الصَّبْرُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ أَيْسَرُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى عَذَابِ اللَّهِ. فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: ويحك مَا أَصْفَقَ وَجْهَكَ، وَأَقَلَّ حَيَاءَكَ، تَفْعَلُ مَا تَفْعَلُ، ثُمَّ تَقُولُ مِثْلَ هَذَا؟ فَأَخَذُوهُ، فَلَمَّا نَزَلَ دَعَا بِهِ فَقَالَ: لَقَدِ اجْتَرَأْتَ، فَقَالَ: يَا حَجَّاجُ، أَنْتَ تَجْتَرِئُ عَلَى اللَّهِ فَلا تُنْكِرُهُ عَلَى نَفْسِكَ، وَأَجْتَرِئُ أَنَا عَلَيْكَ فَتُنْكِرُهُ عَلَيَّ، فَخَلَّى سبيله.