للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أحداث سنة ثلاث وستين وثلاثمائة]

تقليد ابن أم شيبان القضاء:

فيها: تقلّد قضاء القضاة أبو الحسن محمد بن أمّ شيبان الهاشمي، وعُزل ابن معروف بحكومة ابتغى فيها وجَه الله، وسأل مع ذلك الإعفاء من القضاء، فخُوطِب أبو الحسن فامتنع، فأُلزٍم، فأجاب وشرط لنفسه شروطًا، منها: أنّه لا يرتزق على القضاء، ولا يخلع عليه، ولا يُسام ما لا يوجبه، ولا يشفع إليه في إنفاق حق، أو فِعْل ما لا يقتضيه شرع.

وقرَّر لكاتبه في كل شهر ثلاثمائة درهم، ولحاجبه مائة وخمسون درهمًا، وللفارض على بابه مائة درهم، ولخازن ديوان الحكم والأعوان ستمائة درهم.

وركب إلى المطيع لله حتى سلَّم إليه عهده، فركب من الغد إلى الجامع، فقُرئ عهده، وتولَّى إنشاءه أبو منصور أحمد بن عبيد الله الشيرازي، صاحب ديوان الرسائل، وهو: "هذا ما عهده عبد الله الفضل المطيع لله أمير المؤمنين إلى محمد بن صالح الهاشمي، حين دعاه إلى ما يتولاه من القضاء بين أهل مدينة السلام مدينة المنصور، والمدينة الشرقية من الجانب الشرقي، والجانب الغربي، والكوفة، وسقي الفرات، وواسط، وكرخي، وطريق الفرات، ودجلة، وطريق خراسان، وحلوان، وقرميسين، وديار مُضَر، وديار ربيعة، وديار بكر، والموصل، والحرمين، واليمن، ودمشق، وحمص، وجند قِنَّسرين، والعواصم، ومصر والإسكندرية، وجُنْدي فلسطين، والأردن، وأعمال ذلك كلها، وما يجري من ذلك من الإشراف على من يختاره لنقابة من العباسيين بالكوفة، وسقْي الفرات، وأعمال ذلك، وما قلّده إيّاه من قضاء القضاة، وتصفح أحوال الحكام، والاستشراف على ما يجري عليه أمر الأحكام في سائر النواحي والأمصار التي تشتمل عليها المملكة، وتنتهي إليها الدعوة، وإقرار من يحمد هَدْيَه وطريقته، والاستبدال بمن يذم سمته وسجيته، نظرًا لنجبة مكانه، واحتياطًا للخاصة والعامة، وحُنُوًّا على الملّة والذمّة عن علم بأنّه المقدّم في بيته وشرفه، المبرَّز في عفافه وظلفه، المزكَّى في دينه وأمانته، الموصوف في روعه ونزاهته، المشار إليه بالعلم والحِجى، المجتمع عليه في الحلم والنُّهَى، والبعيد من الأدناس، اللّبَاس من التُّقَى أجمل لباس، النقيّ الجيب، المخبور بصفاء الغيب، العالم بمصالح الدنيا، العارف بما يفيد سلامة العُقْبَى، آمره بتقوى الله فإنها الْجُنّة الواقية، وليجعل كتاب الله في كل ما يعمل في رويته، ويترتّب عليه حكمه وقضيّته، إمَامَه الذي يفزع إليه، وعماده الذي يعتمد عليه، وأنْ يتّخذ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منارًا يقصده، ومثالًا يتبعه، وأن يُراعي الإجماع، وأن يقتدي بالأئمة الراشدين، وأن يُعْمِل اجتهاده فيما لا يوجد فيه كتاب ولا سنة ولا إجماع، وأن يُحْضِر مجلسًه من يستظهر بعلمه ورأيه، وأن يسوّي بين الخصمين إذا تقدَّما إليه في لَحْظهِ وَلَفْظِهِ، ويُوَفّي كُلا منهما من إنصافه