للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا يجوز أن يقال: سكتوا مع اعتقادهم أن كل مجتهد مصيب؛ لأن المسألة مبنية على أن الحق في واحد، وعلى أن العادة جارية بأن من له مذهب، وسمع خلافه، أظهر مذهبه، ودعا إلى قوله، وناظر عليه، وإن كان يعتقد أن كل مجتهد مصيب، كما فعل أبو حنيفة ومالك وغيرهما من الأئمة، وإذا جاز ذلك ثبت أن سكوتهم كان لرضا منهم بقوله [١٧٥/ب] .

واحتج المخالف:

بأن سكوتهم يحتمل أن يكون لأنهم كانوا في مهلة النظر، ولم ينكشف لهم الصواب.

ويحتمل أن يكونوا معتقدين أن كل مجتهد مصيب. وأن الإنكار والمخالفة لا يجب.

ويحتمل أن يكون ذلك لهيبة قائله، كما قال عبد الله بن عباس: (أول من أعال الفرائض عمر بن الخطاب، وأيم الله لو قدَّم من قدمه الله، وأخر من أخره الله ما عالت الفرائض.

فقال زفر بن أوس (١) : فما منعك (٢) أن تشير بهذا الرأي على عمر؟ فقال: هبته) .

وإذا احتمل السكوت ما ذكرناه، لم يجز حمله على الرضا والاتفاق.

والجواب: أن مهلة [النظر] لا تمتد إلى آخر العصر؛ لأن طرق الحق واضحة، ومن نظر فيها من أهل الاجتهاد، فلا بدَّ من أن يصل إلى الحق.


(١) هو زفر بن أوس بن الحدثان، النصري، المدني. روى عن أبي السنابل بن بعكك، وعنه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، ما روى عنه سواه، كما يقول الذهبي.
يقال: أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يعرف له رواية ولا صحبة.
له ترجمة في: تهذيب التهذيب (٣/٣٢٧) وميزان الاعتدال (٢/٧١) .
(٢) في الأصل: (فما يمنعك) والتصويب من سنن البيهقي (٦/٢٥٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>