للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: هذا يبطل بالأمر المقيد بفعل مرة واحدة؛ لأنه إذا قال: حجوا في العمر مرة واحدة، وجب العزم والاعتقاد على التكرار، ووجوب الفعل مرة.

قيل: إنما كان الاعتقاد في الأمر المقيد بفعل مرة على التكرار؛ لأن الأمر بالاعتقاد فيه على الإطلاق، فاقتضى التكرار، لإطلاق الأمر فيه، وهو في الفعل مقيد بمرة فلم يقتضِ التَّكرار، فنظيره أن يقول: اعتقد وجوبه مرة، فلا يقتضي التكرار.

فإن قيل: المأمور١ إذا كان عالِمًا بما أمر به ذاكرًا له، لا يمكنه أن يخلو من الاعتقاد والعزم، ولا يخلو من أن يعتقد وجوبه أو غير وجوبه، أو يعزم على فعله أو تركه، ولا يجوز اعتقاد غير الوجوب؛ لأن اللفظ يقتضي وجوب الفعل، فإن كان كذلك، وجب اعتقاد الوجوب والعزم على الفعل ما دام الفعل واجبًا عليه، وليس كذلك الفعل، فإن تركه جائز إلى أن يفعله، فدلَّ على الفرق بينهما.

قيل: قولك: "إنه لا يجوز اعتقاد غير الوجوب؛ لأن اللفظ يقتضي الوجوب" لا يصح؛ لأنه كان يجب أن يعتقده مرة، ثم يقطع الاعتقاد، ولا يكون قطع الاعتقاد في الثاني مانعًا من الأول؛ لأن الأول قد صح ومضى، فاعتقاد غيره لا يمنعه طريان النسخ في الثاني، [كما] لا يمنع صحة ما تقدم.

وقولك: "إن ترك الفعل لا يمنع صحة ما تقدم"، فهذا لا يمنع التكرار كالنهي، فإن مخالفته في الثاني لا تمنع صحة ما يدوم من الترك، ومع هذا تكرر.

وأيضًا فإن الواحد من أهل اللغة إذا قال لعبده: احفظ هذا الفرس،


١ في الأصل: "المأمور به".

<<  <  ج: ص:  >  >>