للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثناء والمدح؛ لأنه فعل ما يجب عليه فعله. ولما أجمعنا على أنه يستحق ذلك؛ علم أنه لا يجب عليه ذلك، وإنما يفعله تفضلًا.

والأصل الثالث: أن من قال: يقف الأمر على المصلحة؛ بناه على أصل، وهو: أنه يقبح في العقل أن يأمر بما لا مصلحة فيه.

ونحن نبينه على هذا الأصل، وأن١ العقل لا يقبح ولا يحسن٢، وإذا لم يدل ذلك لم يقف على المصلحة؛ إذ ليس هناك ما يمنع من ضد المصلحة.

وقد دل على هذا الأصل قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} ٣ فأخبر أنهم آمنون من العذاب قبل بعثة الرسل إليهم، فعلم أن الله تعالى لم يوجب على العقلاء شيئًا من جهة العقل؛ بل أوجب ذلك عند مجيء الرسل.

وقوله تعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ


١ هكذا في الأصل: "وأن" والإتيان بالواو هنا تعبير درج عليه المؤلف؛ وإلا فالكلام لا يستقيم إلا بحذفها.
٢ كون العقل لا يقبح، ولا يحسن، ولا يوجب، ولا يحرم، قول الإمام أحمد وأكثر الأصحاب، ومن أقوال الإمام أحمد في هذا، "ليس في السنة قياس، ولا يضرب لها الأمثال ولا تدرك بالعقل؛ وإنما هو الاتباع".
وقد ذهب بعض الحنابلة إلى أن العقل يقبح، ويحسن، ويوجب، ويحرم؛ منهم: أبو الحسن التميمي وأبو الخطاب وابن القيم.
ونقل عن الشيخ تقي الدين قوله: "الحسن والقبح ثابتان، والإيجاب والتحريم بالخطاب، والتعذيب متوقف على الإرسال".
راجع: "شرح الكوكب المنير" ص "٩٦".
٣ "١٥" سورة الإسراء.

<<  <  ج: ص:  >  >>