للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولأنه لا يمتنع أن تكون المصلحة في الأغلظ، وفيما مضى من الأخف.

واحتج المخالف:

بقوله تعالى: (ما ننْسَخْ مِنْ آيَة أَوْ نَنْسأها نَأت بِخيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) (١) ومعلوم أنه لم يرد بقوله: خيراً منها فضيلة الناسخ على المنسوخ؛ لأن القرآن كله متساوي الفضيلة، فعلم أنه إنما أراد بالخير الأخف.

والجواب: أن الشيء إنما يوصف بأنه خير من غيره؛ لأن النفع الذي فيه يكون موفياً على النفع الذي في غيره. ألا ترى أنك تقول: فعْلُ الفرض خير لك من فعل النافلة، تريد (٢) أنه أنفع له (٣) ، ومعلوم أن النفع في الفعل، إنما يكثر بكثرة المشقة فيه، أو بكثرة انتفاع غير الفاعل به، بدلالة أن القتال في سبيل الله أكثر نفعاً في باب الثواب من الصوم؛ لأن المشقة فيه أكثر من المشقة في الصوم، وإن دعوة نبينا إلى دين الله تعالى كانت أعظم ثواباً من دعوة غيره من الأنبياء عليهم السلام. لأنه قد انتفع بها أكثر مما انتفع بدعوة غيره، [١١٣/ب] إذ كان من أجابه إليها أكثر ممن أجاب إلى دعوة غيره من النبيين، وإن كان فيهم من لحقه من المشقة أكثر مما لحق نبينا عليه السلام، فإذا كان فعل الأشق أنفع من فعل الأخف في باب الثواب وجب أن يكون أنفع منه، فيصح النسخ به.

واحتج بأن النسخ في اللّغة هو الإزالة، وإسقاط العبادة، فمقتضاه التخفيف دون التثقيل.


(١) (١٠٦) سورة البقرة.
(٢) في الأصل: (يريد) ، بالمثناة التحتية.
(٣) في الأصل: (به) .

<<  <  ج: ص:  >  >>