للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[واصطلاحا:]

الاستقامة: «هي سلوك الصّراط المستقيم، وهو الدّين القويم من غير تعويج عنه يمنة ولا يسرة، ويشمل ذلك فعل الطّاعات كلّها الظّاهرة والباطنة وترك المنهيّات كلّها كذلك» «١» .

وقال ابن حجر- رحمه الله تعالى-:

«الاستقامة كناية عن التّمسّك بأمر الله تعالى فعلا وتركا» «٢» .

ويقول الجرجانيّ: الاستقامة: هي كون الخطّ بحيث تنطبق أجزاؤه المفروضة بعضها على بعض على جميع الأوضاع، وفي اصطلاح أهل العلم: هي الوفاء بالعهود كلّها، وملازمة الطّريق المستقيم برعاية حدّ التّوسّط في كلّ الأمور من الطّعام والشّرب واللّباس، وفي كلّ أمر دينيّ ودنيويّ، فذلك هو الطّريق المستقيم.

وعرّف بعضهم الاستقامة بقوله: «أن يجمع بين أداء الطّاعة، واجتناب المعاصي؛ وقيل: الاستقامة ضدّ الاعوجاج، وهي مرور العبد في طريق العبوديّة بإرشاد الشّرع والعقل «٣» .

وأورد الماورديّ خمسة أوجه في قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَقامُوا: من قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا (فصلت/ ٣٠) .

أحدها: ثمّ استقاموا على أنّ الله ربّهم وحده وهو قول أبي بكر- رضي الله عنه- ومجاهد.

الثّاني: استقاموا على طاعته وأداء فرائضه، قاله ابن عبّاس والحسن وقتادة.

الثّالث: على إخلاص الدّين والعمل إلى الموت، قاله أبو العالية والسّدّيّ.

الرّابع: ثمّ استقاموا في أفعالهم كما استقاموا في أقوالهم.

الخامس: ثمّ استقاموا سرّا كما استقاموا جهرا.

قال: «ويحتمل سادسا: أنّ الاستقامة أن يجمع بين فعل الطّاعات واجتناب المعاصي؛ لأنّ التّكليف يشتمل على أمر بطاعة يبعث على الرّغبة، ونهي عن معصية يدعو إلى الرّهبة» «٤» .

[الاستقامة طريق النجاة:]

قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: «الاستقامة هي لزوم المنهج القويم. قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ (فصلت/ ٣٠) . وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ (الأحقاف/ ١٣) ، إلى قوله: يَعْمَلُونَ، وقال تعالى لرسوله صلّى الله عليه وسلّم: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ (هود/ ١١٢) إلى قوله:

بَصِيرٌ، فبيّن أنّ الاستقامة بعدم الطّغيان، وهو مجاوزة الحدود. وقال: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ (فصلت/ ٦) . والمقصود من العبد الاستقامة وهي السّداد. فإن لم يقدر عليها فالمقاربة. وعند مسلم من


(١) جامع العلوم والحكم، لابن رجب (١٩٣) .
(٢) الفتح (١٣/ ٢٥٧) .
(٣) التعريفات للجرجاني (١٩) بتصرف يسير.
(٤) النكت والعيون: تفسير الماوردي (٥/ ١٧٩، ١٨٠) .