للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الجوارح اللّسان، فإنّه ترجمان «١» القلب والمعبّر عنه» . «٢»

وأورد الطّاهر بن عاشور في تفسير قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا* ما يلي:

الاستقامة حقيقتها: عدم الاعوجاج والميل، والسّين والتّاء فيها للمبالغة في التّقوّم، فحقيقة استقام:

استقلّ غير مائل، ولا منحن. وتطلق الاستقامة أيضا على ما يجمع معنى حسن العمل والسّير على الحقّ والصّدق، قال تعالى: فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ (فصلت/ ٦) وقال: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ (هود/ ١١٢) فاستقاموا تشمل معنى الوفاء بما كلّفوا به، وأوّل ما يشمل من ذلك أن يثبتوا على التّوحيد، أي لا يغيّروا ولا يرجعوا عنه، وعن أبي بكر: ثُمَّ اسْتَقامُوا لم يشركوا بالله شيئا، وعن عمر: استقاموا على الطّريقة لطاعته ثمّ لم يروغوا روغان الثّعالب.

وقال عثمان: ثمّ أخلصوا العمل لله، وعن عليّ: ثمّ أدّوا الفرائض. وكلّ هذه الأقوال ترجع إلى معنى الاستقامة في الإيمان وآثاره.

والاستقامة زائدة في المرتبة على الإقرار بالتّوحيد؛ لأنّها تشمله وتشمل الثّبات عليه والعمل بما يستدعيه.

وجمع قوله: قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا أصلي الكمال الإسلاميّ، فقوله: قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ يشير إلى الكمال النّفسانيّ وهو معرفة الحقّ للاهتداء به، ومعرفة الخير لأجل العمل به.

والخلاصة أنّ الاستقامة- كما يقول صاحب البصائر- كلمة آخذة بمجامع الدّين، وهي القيام بين يدي الله تعالى على حقيقة الصّدق والوفاء بالعهد، وهي تتعلّق بالأقوال والأفعال والنّيّات، والاستقامة فيها وقوعها لله وبالله وعلى أمر الله تبارك وتعالى «٣» .

وقوله: اسْتَقامُوا يشير إلى أساس الأعمال الصّالحة، وهو الاستقامة على الحقّ، أي أن يكون وسطا غير مائل إلى طرفي الإفراط والتّفريط ...

فكمال الاعتقاد راجع إلى الاستقامة، فالاعتقاد الحقّ أن لا يتوغّل في جانب النّفي إلى حيث ينتهي إلى التّعطيل، ولا يتوغّل في جانب الإثبات إلى حيث ينتهي إلى التّشبيه والتّمثيل؛ بل يمشي على الخطّ الفاصل بين التّشبيه والتّعطيل، ويستمرّ كذلك فاصلا بين الجبريّ والقدريّ، وبين الرّجاء والقنوط، وفي الأعمال بين الغلوّ والتّفريط «٤» .

[للاستزادة: انظر صفات: الاتباع- الإيمان- الإخلاص- الإسلام- الأدب- التقوى- تعظيم الحرمات- حسن الخلق- الحجاب- حسن العشرة غض البصر- حسن المعاملة- الهدى.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاعوجاج- اتباع الهوى- الضلال- الفسوق- الفجور- العصيان- الفساد- الغي والإغواء- الفحش- التبرج- إطلاق البصر- الإعراض] .


(١) ترجمان: بفتح التاء وضمها وهو المعبّر عن لسان بلسان آخر.
(٢) جامع العلوم والحكم (١٩٣- ١٩٤) بتصرف يسير.
(٣) بصائر ذوي التمييز (٤/ ٣١٢) .
(٤) التحرير والتنوير (٢٤/ ٢٨٢- ٢٨٤) .