للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإيمان فأجاب بهذه الخمس. وأمّا الاختلاف فقوله تعالى: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا (الحجرات/ ١٤) ومعناه استسلمنا في الظّاهر، فأراد بالإيمان ههنا التّصديق بالقلب فقط، وبالإسلام الاستسلام ظاهرا باللّسان والجوارح، وفي حديث جبريل عليه السّلام لمّا سأله عن الإيمان فقال:

«أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالبعث بعد الموت وبالحساب وبالقدر خيره وشرّه» ، فقال: فما الإسلام؟ فأجاب بذكر الخصال الخمس، فعبّر بالإسلام عن تسليم الظّاهر بالقول والعمل.

وفي الحديث عن سعد أنّه صلّى الله عليه وسلّم أعطى رجلا عطاء، ولم يعط الآخر. فقال له سعد: يا رسول الله تركت فلانا لم تعطه وهو مؤمن. فقال صلّى الله عليه وسلّم: «أو مسلم» فأعاد عليه، فأعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا التّداخل فممّا روي أيضا أنّه سئل: فقيل أيّ الأعمال أفضل؟. فقال صلّى الله عليه وسلّم:

«الإسلام» . فقال: أيّ الإسلام أفضل؟. فقال صلّى الله عليه وسلّم:

«الإيمان» . وهذا دليل على الاختلاف وعلى التّداخل، وهو أوفق الاستعمالات في اللّغة؛ لأنّ الإيمان عمل من الأعمال، وهو أفضلها، والإسلام هو تسليم إمّا بالقلب، وإمّا باللّسان، وإمّا بالجوارح، وأفضلها الّذي بالقلب، وهو التّصديق الّذي يسمّى إيمانا، والاستعمال لهما على سبيل الاختلاف، وعلى سبيل التّداخل وعلى سبيل التّرادف، كلّه غير خارج عن طريق الاستعمال في اللّغة.

المبحث الثّالث: عن الحكم الشّرعيّ. للإسلام والإيمان حكمان أخرويّ ودنيويّ.

أمّا الأخرويّ: فهو الإخراج من النّار، ومنه التّخليد «١» .

أمّا الدّنيويّ فإنّه يثبت بالإقرار بالشّهادتين؛ لأنّ الإيمان (والإسلام) كما يقول العينيّ هو بالكلمة فإذا قالها حكمنا بإيمانه اتّفاقا بلا خلاف وتطبّق عليه حينئذ أحكام المسلمين من حيث الدّفن في مقابرهم والتزام مواريثهم وعدم أخذ الجزية ... إلخ.

قال ابن تيميّة- رحمه الله-: لفظ الإسلام يستعمل على وجهين: متعدّيا كقوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ (النساء/ ١٢٥) ويستعمل لازما كقوله تعالى: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (البقرة/ ١٣١) .

وهو يجمع معنيين أحدهما: الانقياد والاستسلام، والثّاني: إخلاص ذلك، وإفراده وعنوانه «٢» قول «لا إله إلّا الله» ، وله معنيان:

أحدهما: الدّين المشترك وهو عبادة الله وحده لا شريك له، الّذي بعث به جميع الأنبياء، والثّاني: ما اختصّ به محمّد صلّى الله عليه وسلّم من الدّين والشّرعة والمنهاج، وهو الشّريعة والطّريقة، وله مرتبتان: إحداهما:


(١) انظر إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي (١/ ١١٦- ١١٧) . والصحاح للجوهري (٥/ ١٩٥٠) . وأصول الدعوة لعبد الكريم زيدان (ص ٩) . وعمدة القاري (١/ ١٠٩) بتصرف يسير.
(٢) العنوان- بالضم والكسر-: سمة الكتاب في الأصل، ثم استعمل سمة لكل شيء.