للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدّنيا وزينتها. فقال رجل: يا رسول الله! أو يأتي الخير بالشّرّ؟. فسكت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقيل له: ما شأنك؟ تكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا يكلّمك؟ فرأينا أنّه ينزل عليه. قال: فمسح عنه الرّحضاء «١» . فقال: أين السّائل؟ - وكأنّه حمده- فقال: «إنّه لا يأتي الخير بالشّرّ، وإنّ ممّا ينبت الرّبيع يقتل أو يلمّ «٢» إلا آكلة الخضراء «٣» ، أكلت حتّى إذا امتدّت خاصرتاها «٤» استقبلت عين الشّمس فثلطت «٥» وبالت ورتعت، وإنّ هذا المال خضرة حلوة، فنعم صاحب المسلم ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السّبيل، أو كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وإنّه من يأخذه بغير حقّه كالّذي يأكل ولا يشبع، ويكون شهيدا عليه يوم القيامة» ) * «٦» .

٨-* (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- وهو في سياقة الموت- أنّه بكى طويلا، وحوّل وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول: يا أبتاه! أما بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا؟ أما بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا؟. قال:

فأقبل بوجهه فقال: إنّ أفضل ما نعدّ شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا رسول الله، إنّي قد كنت على أطباق ثلاث «٧» لقد رأيتني، وما أحد أشدّ بغضا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم منّي ولا أحبّ إليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته. فلو متّ على تلك الحال لكنت من أهل النّار. فلمّا جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي، قال: «مالك يا عمرو؟» .

قال: قلت: أردت أن أشترط، قال: «تشترط بماذا؟» .

قلت: أن يغفر لي، قال: «أما علمت أنّ الإسلام يهدم ما كان قبله؟. وأنّ الهجرة تهدم ما كان قبلها؟.

وأنّ الحجّ يهدم ما كان قبله؟» . وما كان أحد أحبّ إليّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا أجلّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له. ولو سئلت أن أصفه ما أطقت؛ لا أنّي لم أكن أملأ عيني منه. ولو متّ على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنّة. ثمّ ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها. فإذا أنا متّ فلا تصحبني نائحة ولا نار. فإذا دفنتموني فشنّوا «٨» عليّ التّراب شنّا، ثمّ أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها. حتّى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربّي» ) * «٩» .

٩-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا أسلم العبد


(١) الرحضاء: العرق من الشدة، وأكثر ما يسمى به عرق الحمى.
(٢) يلم: أي يقارب الهلاك.
(٣) إلا آكلة الخضراء. أي إلا الماشية التي تأكل الخضر وهي البقول التي ترعاها المواشي.
(٤) امتدت خاصرتاها: أي امتلأت شبعا وعظم جنباها.
(٥) ثلطت: ثلط البعير إذا ألقى رجيعا سهلا رقيقا.
(٦) البخاري- الفتح ٣ (١٤٦٥) واللفظ له ومسلم (١٠٥٢) .
(٧) كنت على أطباق ثلاث: أي على أحوال ثلاث.
(٨) شنّوا علي التراب: بالسين المهملة وبالمعجمة وكذا قال القاضي قال: وهو الصبّ وقيل بالمهملة الصب في سهولة وبالمعجمة التفريق.
(٩) مسلم (١٢١) .