للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: يا أمّ المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

فقالت: كنّا نعدّ له سواكه وطهوره. فيبعثه الله «١» ما شاء أن يبعثه من اللّيل. فيتسّوّك ويتوضّأ ويصلّي تسع ركعات. لا يجلس فيها إلّا في الثّامنة. فيذكر الله ويحمده ويدعوه. ثمّ ينهض ولا يسلّم. ثمّ يقوم فيصلّي التّاسعة. ثمّ يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه. ثمّ يسلّم تسليما يسمعنا. ثمّ يصلّي ركعتين بعد ما يسلّم وهو قاعد. فتلك إحدى عشرة ركعة، يا بنيّ. فلمّا سنّ «٢» نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، وأخذه اللّحم «٣» ، أوتر بسبع.

وصنع في الرّكعتين مثل صنيعه الأوّل. فتلك تسع، يا بنّي. وكان نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم إذا صلّى صلاة أحبّ أن يداوم عليها. وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام اللّيل صلّى من النّهار ثنتي عشرة ركعة. ولا أعلم نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قرأ القرآن كلّه في ليلة. ولا صلّى ليلة إلى الصّبح. ولا صام شهرا كاملا غير رمضان. قال: فانطلقت إلى ابن عبّاس- رضي الله عنهما- فحدّثته بحديثها. فقال:

صدقت. لو كنت أقربها أو أدخل عليها لأتيتها حتّى تشافهني به. قال: قلت: لو علمت أنّك لا تدخل عليها «٤» ما حدّثتك حديثها) * «٥» .

٢-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال:

خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّكم تسيرون عشيّتكم وليلتكم. وتأتون الماء، إن شاء الله، غدا» فانطلق النّاس لا يلوي أحد على أحد «٦» ، قال أبو قتادة: فبينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسير حتّى ابهارّ اللّيل «٧» وأنا إلى جنبه. قال: فنعس «٨» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فمال عن راحلته. فأتيته فدعمته «٩» من غير أن أوقظه. حتّى اعتدل على راحلته. قال: ثمّ سار حتّى تهوّر اللّيل «١٠» مال عن راحلته. قال: فدعمته من غير أن أوقظه. حتّى اعتدل على راحلته. قال: ثمّ سار حتّى إذا كان من آخر السّحر مال ميلة. هي أشدّ من الميلتين الأوليين. حتّى كاد ينجفل «١١» . فأتيته فدعمته. فرفع رأسه فقال: «من هذا؟» . قلت: أبو قتادة. قال: «متى كان هذا مسيرك منّي؟» . قلت:

مازال هذا مسيري منذ اللّيلة. قال: «حفظك الله بما حفظت به نبيّه «١٢» » . ثمّ قال: «هل ترانا نخفى على النّاس؟» . ثمّ قال: «هل ترى من أحد؟» . قلت: هذا راكب. ثمّ قلت: هذا راكب آخر. حتّى اجتمعنا فكنّا سبعة ركب «١٣» . قال: فمال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن


(١) فيبعثه الله: أي يوقظه؛ لأن النوم أخو الموت.
(٢) فلما سن: هكذا هو في معظم الأصول سن. وفي بعضها، أسن. وهذا هو المشهور في اللغة.
(٣) وأخذه اللحم: وفي بعض النسخ: وأخذ اللحم. وهما متقاربان. والظاهر أن معناه كثر لحمه.
(٤) لو علمت أنك لا تدخل عليها ... : قال القاضي عياض: هو على طريق العتب له في ترك الدخول عليها، ومكافأته على ذلك بأن يحرمه الفائدة حتى يضطر إلى الدخول عليها.
(٥) مسلم (٧٤٦)
(٦) لا يلوي على أحد: أي لا يعطف.
(٧) ابهار الليل: أي انتصف.
(٨) فنعس: النعاس مقدمة النوم.
(٩) فدعمته: أي أقمت ميله من النوم، وصرت تحته. كالدعامة للبناء فوقها.
(١٠) تهور الليل: أي ذهب أكثره. مأخوذ من تهور البناء، وهو انهداده.
(١١) ينجفل: أي يسقط.
(١٢) بما حفظت به نبيه: أي بسبب حفظك نبيه.
(١٣) سبعة ركب: هو جمع راكب. كصاحب وصحب، ونظائره.